الجمعة 05 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
د/عبدالله أبو الغيث
إقليم آزال والمتغيرات اليمنية والملك الجديد
الساعة 14:18
د/عبدالله أبو الغيث



   ظاهرة غريبة تبدت لنا منذ إعلان الرئيس هادي لاستقالته يوم الخميس المنصرم احتجاجاً على الإهانات المذلة التي وجهتها جماعة الحوثي له وللمقربين من حوله، حيث بدأ الحديث يطفو على السطح عن مشاريع انقاذ تجمع الأقاليم الجنوبية (عدن وحضرموت) مع بعض الأقاليم الشمالية (سبأ والجند)، وتمتد آحياناً لتشمل إقليم تهامة، لكنها لا تتحدث البتة عن إقليم آزال.
   

وذهب العض متحدثاً بأن الأقاليم الأربعة أو الخمسة ما عليها إلا أن تحزم امتعتها وترحل بكل بترولها وغازها وسواحلها وثرواتها، وتترك إقليم آزال للحوثي بجباله الغبراء ليشبع بها! وكان بعض المتحدثين بذلك القول وما شابه مع - الأسف الشديد - أناس كنا نعول عليهم في إخراج الوطن اليمني من أزماته في وقت الملمات.

   مثل هذه الدعوات تنطلق من منطلق مذهبي وطائفي، على اعتبار أن إقليم آزال تسيطر عليه أغلبية من اليمنيين المعتنقين للمذهب الزيدي، بعكس الأقاليم الأربعة التي تقطنها أغلبية من اليمنيين الشوافع، مع خليط يتشكل منه الإقليم الخامس (تهامة) بين أتباع المذهبين.

   ولهؤلاء نقول على رسلكم أيها الأحبة! فإقليم آزال ليس الحوثي وعفاش، بل هو جزء من اليمن الواحد الممتد من سوقطرة إلى كمران، وأبناؤه ليسوا كلهم من أتباع الحوثي وعفاش، ولا كلهم من دعاة السيطرة والاستحواذ، ولا كلهم من المؤمنين بنظرية (المركز المقدس).. فالتاريخ القريب يخبرنا أنهم كانوا في طليعة النضال ضد قوى الفساد والاستبداد الذي مارسه بعضهم وباسمهم، جنباً إلى جنب مع إخوانهم المناضلين في بقية الآقاليم اليمنية، وما علينا لنعرف ذلك – رغم أننا لا نجهله - إلا تفحص كشوفات الثوار منذ ثورة فبراير 1948 إلى ثورة فبراير 2011م.

   صراعنا مع هيمنة (المركز المقدس) الذي يتكالب الحلف الحوثي العفاشي لاستعادتها ليس صراعاً مع أبناء إقليم آزال كما يحاول البعض أن يصوره لنا، لكنه صراع مع قلة تريد أن تستحوذ وتهيمن وتفسد في الأرض. وما على أحدنا إن أراد أن يدرك ذلك إلا التجول في بعض قرى ومديريات محافظات إقليم آزال، حيث سيلاحظ أنها تتكون في الغالب من بنايات متواضعة تطل عليها قلعة ضخمة، هي قصر الشيخ. وكلما سيتغير مع المستجدات الجديدة، أن قلعة أخرى ستنتصب بجوار قلعة الشييخ لتمثل قصراً للسيد.

   صراعنا كيمنيين باحثين عن الحرية والعدالة والمساواة ليس صراعاً مع أبناء إقليم آزال والمحافظات الجبلية في إقليم تهامة، لكنه صراعاً مع النخب التي تسوق ذلك الصرع لتستبد بكل اليمنيين ومعهم أبناء تلك المناطق. ولن نتمكن من القضاء على فكرة المركز المقدس التي تتبناها بعض النخب الزيدية إلا إن استطعنا منع نخب المناطق الأخرى من العمل (كمواطف) بيد تلك النخب.

   فإذا استعرضنا الأدوات التي كانت تسوق لعفاش سياسته الاستحواذية وما زالت، سنجد أن معظمها لا تنتمي إلى مناطق المركز المقدس (البركاني، العواضي، الجندي، الزوكا، الصوفي، بن دغر، القربي... إلخ)، ومثلها أصحاب الكتابات التي صارت اليوم تسوق للحوثي (الدكاك، بن يحيى، الباشا، وغيرهم... وسيزداد العدد كلما توسع النفوذ الحوثي وكثر من حوله الطامحون ببعض الفتات)!

   خلاصة القول: الفاسدون والمستبدون هم قلة بين صفوف الشعب اليمني، وينتشرون في كل الأقاليم اليمنية: من آزال شمالاً إلى عدن جنوباً، ومن حضرموت شرقاً إلى تهامة غرباً، مروراً بسبأ والجند في الوسط. ونحن عندما نروج لمثل هذه الثقافة الطائفية والعنصرية إنما نخدمهم، ونوفر لهم التربة الخصبة لزرع أفكارهم المريضة والمستحوذة.

    •    ملاحظات حول المتغيرات اليمنية والإقليمية:
   أولاً: ليس المهم من يجلس في قصر الرئاسة اليمني، ولا المنطقة التي ينتمي إليها، كائناً من كان، ولكن المهم هو الثقافة التي يؤمن بها، والآدوات التي يمتلكها لتغيير واقع الوطن اليمني صوب الأفضل، وتصرفه كمواطن ينتمي للوطن اليمني الكبير قبل أي انتماء آخر يخصه.

   ثانياً: يبدو أن المشترك قد قرر أن تكون مهمته الجديدة متمثلة بأن يجعل من نفسه (ورق حمّام) تمسح به المليشيات المسلحة قاذوراتها، كلما غضبت وحطمت الصنبور أو قطع أحد عليها ماصورة المياه، وبالتأكيد فقادة هذه الأحزاب سوف يقنعون أنفسهم أنهم يؤدون عملية إنقاذ عظيمة.. أو هكذا سيصورون الأمر للقطعان الغبية من أتباعهم.

   ثالثا: عملية التصعيد الحالية التي تشهدها الساحة اليمنية في هذه الأيام ترتبط بحاجات خارجية إقليمية أكثر من ارتباطها بحاجات يمنية، وتأتي في مقدمة ذلك الصراع المحموم الذي يدور حول أسعار النفط بآثاره السلبية على بعض الدول النافذة، وكذلك الرغبة الجامحة لدى دول أخرى بالقضاء على كل ما يمت بصلة لثورات الربيع العربي.

   رابعاً: انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية للملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز مع فريق عمله الذي أعطاه ثقته، وتسلم مهامه حتى قبل دفن الملك الراحل، وفي مقدمتهم الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، سيعني أن قواعد اللعبة الإقليمية سوف تتغير، بما للمملكة العربية السعودية من ثقل فيها، وسيكون من ضمنها المتغيرات على الساحة اليمنية بطبيعة الحال، بدليل تغيب قيادات إحدى الدول الخليجية - التي لعبت ولازالت دوراً خطيراً وأكبر من حجمها في الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية - عن مراسيم عزاء الملك الراحل وتنصيب الملك الجديد، رغم أن المسافة بينها وبين الرياض مجرد (فركة كعب).

   خامساً: سفر يحيى الراعي رئيس مجلس النواب (المرشح لخلافة هادي في حال قبول استقالته) إلى الرياض بوفد مؤتمري خالص، ثم تأجيل اجتماع البرلمان المخصص للبت في تلك الاستقالة، قد يعني بأن القوى اللاعبة على الساحة اليمنية باتت تدرك بأن تأثيرات التغيرات التي شهدتها عملية انتقال السلطة في السعودة قد تكون فيما يخص اليمن أسرع مما يتصورون. وسينعكس ذلك بطبيعة الحال على حركة التحالفات التي ستشهدها القوى اليمنية داخلياً وخارجياً.

   أخيراً: [إن اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم] صدق الله العظيم.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24