الاربعاء 03 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
ماتت وعلى شفتيها لــــــــــو - عبد الله عباس الإرياني
الساعة 16:27 (الرأي برس ـ خاص ـ أب وثقافة)

 

عمتي رحمه، المليئة بالرحمة والذكاء الفطري، أدركت ما اخترعه الغرب، فهي كلما رأت الغسالة والمكنسة الكهربائيه وأحدهما تعمل، تقول لو أن من اخترعها قد نطق بالشهادتين لدخل الجنة.

كم هي سعيدة ومبتهجة وهي ترى كل تلك الآلات التي سهلت لنا الحياة؟

قالت وقد أمسكت بالمكنسة الكهربائية لأول مرة في حياتها :

-الله يغفر له ويحسن إليه من أخترع لنا هذه المكنسة..استطردت تسألني وكأنها تمني نفسها :

-هل هو مسلم ؟

-لا يا عمتي .

ردت، وعلي وجهها علامات الحزن :

- لو انه نطق بالشهادتين لدخل الجنة.

-وهل نسيتِ مخترع الكهرباء التى تحرك كل هذه الآلات ؟ .

-وهو يا ولدي لو تبحث عنه وتنصحه 

رددت ( مبتسماً ) :

-ولكنه قد مات .

ردت، وعلى وجهها علامات الحسرة والندم.

- لو انه نطق بالشهادتين..ثم رفعت يديها إلى السماء تدعو:

 - الله يغفر له ويسامحه ويدخله الجنة .

رددت عليها (مازحاً) :

-وتدعي له بدخول الجنة.

ضغطت على مفتاح الكهرباء، حل الظلام، ضغطت عليه ثانية، عاد النور، ثم قالت: 

-ألا يستحق من أخترع هذا أن ادعي له بدخول الجنة.

وكم هي مبهورة وهي تشاهد لأول مرة بثاً مباشراً على التلفزيون لوقائع مناسك الحج..قالت، و على وجهها علامات الفرح :

-الظاهر ما هذا قد اخترعه مسلمين .

- ما هو يا عمتي ؟

- نقل المناسك .

- ما الذي جعلك تظنين ؟

- الظاهر أنك لا تسمع .

- بل يا عمتي، أسمعك وأسمع المذيع.

- لعلك لا تسمع المذيع وهو يتكلم بالعربي.

نظرت اليها، ادقق في تعابير وجهها لعلي استشرف ما في أعماقها من امنيات، ثم قلت :

- ربما ربما ياعمتي. 

وفي اخر مرة تسافر فيها الى صنعاء،  لاحظت وأنا أشاهدها في المرآة، جلست على الكرسي الخلفي، أنها لم ترفع نظرها من على خدي المملوء بالقات..قلت لها :

- ماذا تريدين ان تقولي يا عمتي ؟

- حتى المكان الذي تضعوا عليه قارورة  الماء قد اخترعوه لكم..يعرفون أنكم تخزنون القات.

- لا يا عمتي، اخترعوه لأنفسهم فهم يشربون الماء وغير الماء مثلنا .

- ولماذا لم يخترعوا لكم المكان الذي تضعوه عليه القات ؟

- سأبعث لهم باقتراح لاختراع  مكان بالسيارة لوضع القات .

- ويسمونه (أختراع رحمه).

- وبأذن الله يسمونه (أختراع رحمه) ليكون أول اختراع لمواطن يمني .

صمت، وصمتت، وسيارتنا تنهب الطريق. 

وما أن وصلنا الخط الدائري ليريم حتى لاحظت عمتي الحفر المنتشرة بطوله، تصل أحيانا الى عرض الطريق بأكمله. اخرجتني من سليمانيتي بقولها :

- ولماذا هذه الطريق مكسره هكذا ؟ - لاننا قد نفذناه .

- من انتم؟ .

- نحن اليمنيين .

- ومتى كنتم مخترعين؟ 

- نحن لم نخترع يا عمتي..فقط ننفذ ما اخترعوه .

- أولم يعلموكم كيف تنفذوا ما أخترعوه ؟

- علمونا ولكننا ننسى.

- ولماذا نسيتوا؟

- لانهم أرادوا ان ننسى  .

- ولماذا أرادوا أن تنسوا ؟.

- أرادوا أن ننسى لأنهم أرادوا ان ننسى، كيف تنفذ الطريق وما تحت الطريق وما فوق الطريق؟ كفت عمتي عن أسئلتها، وأطلقت بدلاً عنها تنهيدة عميقة، ثم قالت:

     - لو لو.. ..ولم تكمل جملتها حتى  ماتت وعلى شفتيها كلمة لو.

*مختارة من مجموعتي القصصية ( حكاية كل خميس ) صدرت عن مركز عبادي عام 2006م.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24