الاثنين 01 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الدكتور فؤاد البنا يكتب عن «إب» التي لا وقت لديها للكلام فهي مشغولة بصناعة اﻷفعال
الساعة 16:17 (الرأي برس ـ خاص)

إنها تدابير الرحمن، فإن إب هي مطلع اﻷبجدية العربية، وهي دوما وأبدا في مطالع المجد ومقدمات النضال الوطني، وكأن (الإباء) قد اشتق من اسمها (إب)!!

إب ﻻ وقت لديها للكلام فهي مشغولة بصناعة اﻷفعال واجتراح الأمجاد، وبهذا فإنها تسير مع حركة السنن التي تثبت أن اﻹناء الممتلئ أقل جلبة من العربة الفارغة، أﻻ ترون أن اسمها أقصر اﻷسماء، وفعلها أطول اﻷفعال!

إنها إب صانعة اﻷمجاد بحق، ومبدعة المآثر بصدق، فهي كمحافظة تنافس مأرب على المقدمة في التأريخ القديم، فقد احتضنت عددا من الدول الكبرى قبل اﻹسﻻم أهمها الدولة الحميرية، وبعد اﻹسﻻم نافست صنعاء على المركز اﻷول، فقد احتضنت عددا من الدول أهمها الدولة الصليحية وهي دولة اسماعيلية في اﻷساس، لكن جمال طبيعة إب وكمال أبنائها، أديا إلى ترويض واستئناس هذه الدولة حتى أصبحت إنسانية أكثر من معظم دويﻻت اﻹمامة، التي تزعم انتسابها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون أن يمنعها ذلك اﻻنتساب من إهﻻك الحرث والنسل وإحراق اﻷخضر واليابس، بينما بصمات الصليحيين الحضارية ما تزال ماثلة للعيان في كثير من أرجاء اليمن وأكنافه الممتدة.

وكانت إب في طليعة المقاومة للحكم الكهنوتي المتدثر بأردية اﻹسﻻم، والمتلفع بأثواب التدين المغشوش، ولكشف الوجه القبيح لﻹمامة فقد دفعت إب بواحد من أبرز فقهائها العظام للقيام بثورة عظيمة ضد استبداد وفساد الأئمة وهو الفقيه سعيد.

وﻷن إب كانت دائما مكمن الرفض واﻹباء ضد الكهنوت فقد أرسل لها اﻷئمة قوافل من المستوطنين الذين جاؤوا من شمال الشمال ومثلوا كتائب متقدمة للظلم والعسف، ومثلوا اليوم نسبة كبيرة من سكانها، لكن إب أنسنت كثيرين منهم، واقرؤوا إن شئتم مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم الذي افتخر بأنه وآخرون تعلموا أبجديات الثورة في إب من أبناء الساحرة الجميلة!!

ولم تتخلف إب في العصر الحديث، فهي أول من طرقت أبواب الثورة، حسب مذكرات الثوار آنذاك ووفق تحقيق المؤرخين، وكان لها نصيب اﻷسد من الثورة الدستورية سنة 1948، فقد كانت أحد أضﻻع الثورة الثﻻثة: إب وتعز وصنعاء، ومن رحمها خرج عدد من قادة الثورة، أبرزهم حسن الدعيس الذي لقبه الثوار بفيلسوف الثورة.

وقد توجت ثورات الشعب اليمني لﻻنعتاق من الحكم (الثيوقراطي) اﻹمامي بثورة 26 سبتمبر، فهل الصدفة هي التي جعلت قائدها علي عبدالمغني من إب؟!

وفي ثورة فبراير كان التسابق قويا بين إب وتعز على لعب الدور الكبير في هذه الثورة، حتى صارا كفرسي رهان، مع فارق أن إب لم تتكلم عن أدوارها بينما تطوع للحديث عن تعز كثيرون وبعضهم من أبناء إب الذين يعشقون تعز ويعدونها الشقيقة الكبرى.

وبعد الثورة المضادة التي قادها بقايا حكام الجور السابقين والﻻحقين ممثلين بالحوثيين والمخلوع صالح، كانت إب كعادتها في الصدارة وما غيرت وﻻ بدلت تبديﻻ، ولكن بطريقتها الخاصة التي جعلت بعض الجهلة والمرجفين يتهمونها بالتأخر والتقهقر!!

عندما اقتربت قطعان الدواحش من صنعاء كانت صورة المؤامرة الكبرى قد اكتملت، وتم اتفاق حكماء اليمن على عدم الوقوف أمام العاصفة الهوجاء في إب كما في المحافظات السابقة كلها بما فيها صنعاء، بل وتم اﻻتفاق على أن يحدث في تعز ما حدث في إب، ولذلك طلب من الشيخ حمود سعيد الخروج من اليمن حتى تهدأ العاصفة، ولم يعد إﻻ بعد أن شعرت السعودية بالخطر الشديد وبدأت اﻻتصال باﻷحرار من أجل تغيير موازين القوة.

ونص اتفاق الحكماء على أن تستمر إب في المقاومة السلمية، فهي تمتلك من الشباب الجسور ومن الحكمة واﻻنضباط ما يمكنها من الصمود في هذا الدرب الشائك أمام همجية الدواحش، دون خوف من اﻻنزﻻق نحو الهاوية!!

واستمر النضال من خﻻل انصباب شﻻل اﻻعتصامات والمسيرات الضخمة التي أطارت الكرى من أعين الدواحش، وسحبت بساط جماهيريتهم المزعومة، وتحولت إب إلى واحة ﻻستقبال النازحين من المحافظات المنكوبة وﻻسيما من شقيقتها اﻷقرب إلى جغرافيتها وقلبها تعز، حيث احتضنت عشرات اﻵﻻف منهم بكل حب واقتسمت معهم رغيف العيش المغموس بعرق وتراب هذه الظروف الشديدة الصعوبة، حيث نالت إب من حرب الخدمات ما لم تنله أي محافظة أخرى!!

ورغم ذلك فإن الكثير من شباب إب وإزاء همجية الدواحش واستفزازاتهم لم يستطيعوا على ذلك صبرا، وفي نفس الوقت لم يقامروا بحياة المدنيين في منطقة هي اﻷولى يمنيا في الكثافة السكانية حتى قبل أن يفد إليها النازحون، وﻻسيما أن بعض أبناء إب كانوا قد جربوا المقاومة المسلحة في فترة مبكرة قبل أن تبدأ المقاومة في تعز، بعد أن تعدلت موازين القوى جزئيا، فكانت الخسائر فادحة في الرضمة ويريم والمخادر!

فهل يستكين شباب إب الفوار ويرضخون لحثاﻻت الخلق وشرار الناس؟ أم يتمردون على حكماء البلد ويفجرونها حربا ستكون كلفتها هي اﻷعلى على مستوى الوطن؟ ﻻ يمكن أن يفعلوا هذا وﻻ ذاك.
لقد أخذت أعداد منهم عدتها وذهبوا إلى مأرب قبل أن تنفتح جبهة تعز، وذلك للتدرب على القتال والمرابطة في ساحات الرجولة والشرف.

وعندما انفتحت جبهة تعز ذهب كثيرون وانخرطوا فيها بجانب أشقائهم، وقد استشهد العشرات من إب في تعز واسألوا قادة المقاومة في تعز عن رجال إب الميامين وبطوﻻتهم الجسورة.
وبجانب هؤﻻء هناك كتيبة كاملة من مقاومة إب المنظمة تقاتل في منطقة الستين في تعز منذ نحو أسبوعين، وقد رفعت الحصار المضروب على تعز من جهة الشمال، وهي تتقدم باستماتة نحو مطار تعز للسيطرة عليه.

وهناك أعداد وفيرة من أحرار إب شاركوا في معارك تحرير الضالع التي تقع جنوب شرق إب، وﻻسيما أن عددا من مناطق الضالع اﻷكثر اشتعاﻻ، كانت مناطق إبية قبل أن تلحق بالضالع وهي: دمت وقعطبة ومريس، وما تزال أوشاجها مع إب هي اﻷقوى.

وهناك مئات من رجال إب الذين انخرطوا في حرب استنزاف ضد المليشيات اﻹجرامية في المحافظة الخضراء، وﻻسيما ضد خطوط اﻹمداد نحو تعز والضالع، وفي اتصال هاتفي لكاتب هذا المقال ساعة كتابته مع الناطق باسم مقاومة إب الشيخ عبد الواحد حيدر ذكر أن خسائر الدواحش في حرب اﻻستنزاف في إب وصلت إلى 650 قتيﻻ و540 جريحا على مستوى اﻷفراد والقيادات، وعلى مستوى المعدات أفاد بأن المقاومة في إب دمرت 90 عربة وطقما وحافلة!

وقبل بضعة أسابيع قامت مقاومة إب باجتياز حدود المحافظة الغربية إلى محافظة الحديدة في مناطق التماس بين المحافظتين، وقامت بأعنف عملية تمت ضد الحوثيين في محافظة الحديدة على اﻹطﻻق، حيث قتل وجرح فيها العشرات من الدواحش.

كل ذلك تم بهدوء بعيدا عن أضواء اﻹعﻻم؛ ﻷن استراتيجية المقاومة كانت تقتضي هذا العمل الهادئ والبعيد عن الصخب، وساعد على ذلك تكتم الحوثيين على ضحاياهم وعدم مبالاتهم بالزنابيل من مقاتليهم، وإن كانت المحافظة قد دفعت ثمنا غاليا لهذه العمليات، حيث هوجمت عشرات القرى في كافة المديريات وخاصة في المخادر والسياني والرضمة ويريم وذي السفال والعدين والسبرة، حيث هوجمت مئات البيوت وفجر بعضها واحتل البعض اﻵخر، واختطف العشرات من الرجال، ووضع بعضهم دروعا بشرية، واستشهد أحدهم وهو القيادي المعروف أمين الرجوي مسؤول الدائرة السياسية لﻹصﻻح في المحافظة.

وبالمناسبة إن أبرز قياديين إصﻻحيين تم اختطافهما في صنعاء من قبل عصابة الدواحش هما من إب: أ.محمد قحطان والشيخ محمد دماج، فهل هي الصدفة مرة أخرى التي جعلتهما من إب ؟!

ودماج هو الشخص الذي فاز على علي صالح في انتخابات اللجنة الدائمة قبل الوحدة وظهور اﻹصﻻح واﻷحزاب.

أما محمد قحطان فهو ورفيق نضاله جار الله عمر من أسسا اللقاء المشترك الذي يعتبر نواة ثورة فبراير ومقاومة اليوم، وكﻻهما من أبناء إب اﻷفذاذ، وهما من الطاقم المميز الذي أنتجته هذه المحافظة اﻷبية، مثل: الشيخ عبد المجيد الزنداني ود.عبد العزيز المقالح وزيد مطيع دماج والقاضي عبد الله الحجري ود.عبد الكريم اﻹرياني.

ولعب أحرار إب دورا إعﻻميا مميزا في مكافحة هذا اﻻنقﻻب، سواء كانوا في إب أو في صنعاء أو في تعز.

وقد كان بعض الصحفيين حكوميين كاﻷستاذ جميل عز الدين الذي كان آخر من صمد في تليفزيون اليمن إلى أن دخل اﻻنقﻻبيون القناة، ليخرج هو متخفيا وخائفا يترقب، وظل مطاردا إلى أن نجح في عبور الحدود في رحلة محفوفة بالمخاطر، واﻵن هو يواصل نضاله من خﻻل رئاسته لتليفزيون اليمن.
و بعض إعﻻميي إب غير حكوميين كالكاتب محمود ياسين الذي ظل يكافح من قلب الدوامة، ويحرض من داخل اﻹعصار، ولم ينبطح كما فعل كثيرون أو صمتوا صمت القبور؛ ﻷنه من أحفاد الفقي سعيد ثائر إب الكبير!!
وبجانب هؤﻻء وأولئك صدح إعﻻميون من قلب مقاومة تعز وهم من أبناء إب وعددهم وفير.

وفي اﻷخير أنبه القراء اﻷعزاء إلى أن هذه المقالة ﻻ تتماهى مع الدعوات المناطقية التي استيقظت بقوة في الفترة اﻷخيرة، فإن صاحبها يرفض العصبيات جملة وتفصيﻻ، ولكنه رأى غمط كثيرين ﻹب بل ونيلهم منها، وأراد أن يسجل للتأريخ بعض ما سطرته هذه المحافظة من مآثر، بدون أن يغمط بقية المحافظات أدوارها أو يدعي التميز العرقي أو الطائفي لها.

إن جميع اليمنيين ينتمون إلى عرق واحد ودين واحد، والخﻻفات الفكرية والفقهية ﻻ تفسد للود قضية، وإن جميع المحافظات اليمنية فيها الغث والثمين من الناس، اﻷحرار والعبيد، الرواحل والنطائح.

وإذا كان لإب من تميز من نوع ما، فهو هبة الطبيعة الجبلية الجميلة والفاتنة، فإن الطبيعة تؤثر على الناس كما يرى علم اﻻجتماع الحديث.
وﻻ يختلف اثنان حول أن إب هي اﻷجمل على مستوى الجزيرة العربية كلها وليس في اليمن وحدها.

وﻻ شك بأن لهذه الطبيعة الخﻻبة تأثيرها البالغ على أبناء إب اﻷحرار، فإن شواهق الجبال جعلت الناس شامخين، وجعلتهم الخضرة جميلين أحرارا ﻻ يقبلون الظلم والضيم أكثر من غيرهم، وصاروا يتدفقون بهدوء مثل عيون الماء، وينسابون كاﻷغادير المنتشرة في وديان إب الغزيرة المياه.

أما في مجال العطاء فإنهم يتدفقون كالشﻻلات المنبثقة من جبال بعدان والعدين والسياني وجبلة وذي السفال والمخادر والمنبثقة في كثير من وديان اليمن وقيعانها.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24