الجمعة 05 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
طلع البدر علينا - عبدالله الإرياني
الساعة 15:19 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


                                                                                    
القاعة المكتظة بالمدعوين والممهورة بالعريس ..قد تناثرت في ارجائها قوارير الماء وأوراق القات.. والمنشد  ينشد ..بينما المدعوون مشغولون في قطف أوراق القات، أو في تبادل أطرف الحديث..اثنان مع بعضهم، ثلاثة مع بعضهم، أربعة مع بعضهم.. وحسب الوضع الذي وجد كل واحد نفسه فيه. تمضي الدقائق ولا يكون السكوت إلا عندما يدعوا المنشد في نهاية كل وصلة من نشيده  المدعوين لقراءة الفاتحة.. ما أن ينتهي و ينتهوا حتى تسمع  المدعوون بصوت واحد:

 

- أحسن الله إليكم .. يقول أحد المدعوين لصديقه الجالس إلى جواره :
- أحسن الله اليه لنشيده أو أحسن الله اليه لسكوته .. يرد صديقه :
- بل أحسن الله إلي  سكوت مكبر الصوت . .
 يسكت المنشد لدقائق ليلتقط أنفاسه ووريقات القات.. ليريح المدعوين من ضجيج أقلق تبادلهم للأحاديث فيما بينهم.. دقائق ليريح ويستريح.. يستريح من نشيد يكرره كل يوم ويريح مدعوين من واجب فرض عليهم حضور مناسبة ليس فيها إلا أن ينقلوا مقيلهم الصغير إلى قاعة كبيرة يعلو فيها صوت المنشد بواسطة مكبرات صوت لم ترع الدرجة المطلوبة للسماع المريح لتحول نشيد المنشد إلى زعيق يصم الآذان. دقائق حتى يتسرب مدعوون الواحد تلو الأخر للحاق بمقيلهم الذي  اعتادوا عليه فقد أدوا الواجب وسلموا على العريس.. وكل واحد له حجته.. مناسبة أخرى.. سأعود عند الزفة.. مشوار مهم ..والمدعو الواصل للتو يقول لصديقه الذي أفسح له مكان إلى  جواره :

 

- هذه القاعة الرابعة التي أزورها هذا اليوم وستكون الأخيرة لحضور الزفة ..رد  صديقه :
- أربع دعوات مجتمعه في  يوم ؟
- كان لابد من حضورها وقد خصصت الزفة لأقربهم إلى نفسي .
وقد حمل كيسه المملوء بالقات وهو ينتقل من قاعة إلى أخرى ليسلم على العريس وأقاربه. أصبح القات هو الوسيلة لقتل الوقت الطويل المخصص للمناسبة ايً كانت المناسبة، ولقتل النشاط والحيوية عند المدعوين فلا يأتي ميعاد الزفة حتى تجد البقية الباقية من المدعوين الملتفين حول المنشد بعيون زائغة ونفسيات قلقلة مستعجلة للحظة الرحيل. وما أن وصل المنشد إلى مقطع طلع البدر علينا حتى صدرت منه كحة ليسقط المكيرفون من يده..يسود الهرج والمرج.. ومنهم من ينادى إليّ بالسكر إنها (شرغة ) القات..أخر يقول إليّ بالعطر، وأخر إليّ بالمشروب الغازي..وماهي إلا ثوان حتى كان المنشد غير قادر على التنفس فوسعت عيناه وفتح فاه. لم يكن هناك من بديل إلا لحمله إلى اقرب مستشفى. سادت الحيرة في نفوس أقارب العريس.. هل يذهبون مع المنشد إلى المستشفى أم مع العريس إلى عروسه في الصالة الأخرى المخصصة للنساء؟، كان الخيار الثاني.
*    *    *    *

 

ما أن جلس العريس إلى جوار عروسته حتى كانت عيون المدعوات قد توجهت كلها نحو العريس.. هذه تقول هو أحلى من العروسه، وتلك تقول لا..انقسمت المدعوات إلى قسمين مع العريس وضده. تعالت أصواتهن وتشابكت الأيدي وتعرت الوجوه والروؤس..كانت الفرصة للكاميرا أن تصور نساء قد سقط الحجاب عن الوجوه والروؤس. في ذلك الجو المشحون يُسمع صوت يغطي القاعة كلها.. طلع البدر علينا، تكف الأيادي عن الاشتباك، تخرس الالسنة، وكل واحدة قد التفتت للبحث عن مصدر الصوت. تصرخ أحداهن هاهو المنشد قد عاد ليكمل زفته للعريس. تنزل الستارة التي تفصل بين المدعوات والفرقة الغنائية الرجالية ليظهر عليها المنشد وهو ينشد من حيث توقف..طلع البدر علينا.. صرخت أحداهن:
- هذا هو المنشد فأين الفرقة ..ألتفت العريس ليسأله :
- كيف أتيت إلى هنا وقد كنت بين الحياة والموت ؟.
لم يعره أي أهتمام، شدته الرؤوس والوجوه المكشوفة والتي نست المدعوات تغطيتها من هول المفاجأة..صرخ العريس بأعلى صوته :
- أعيدوا الستارة ..رد المنشد:
- أنا لا أنشد من وراء الحجاب..صرخ العريس ثانية:
- إذن اخرجوا المنشد.
أنبرت أحدى المدعوات..صعدت الى المنصة..قالت:
- لن يخرج المنشد ولن يعاد الستار..خُدعنا عندما اكتشفنا بعد أن سقط الستار بأن الفرقة كانت جهاز تسجيل..اقتربت المدعوة من المنشد..سألته:
 - ايهما احلى العريس أم العروسه ؟..رد عليها همساً:
- أنني أحلى ..ارتفعت اصوات الحاضرات، تسأل ماذا قال؟..لم يسمعن اجابة. 
تزاحمن على المنشد كل واحدة تريد أن تسأله..صرخ فيهن بالدور..ما أن انتهى من الاجابة الواحدة على أخر مدعوة و العائدة الى مكانها حتى كان الهدوء قد خيم على الصالة، والوجوه التي سقط عنها الحجاب قد عاد اليها الحجاب..قد سقط الستار ولم يسقط الحجاب. ولم يعد من تلك الوجوه الا عيون بدت كعيون القطط وأنت تراها في الظلام، كأنها تبحث عن شي ما فلم تجد تلك العيون الا العريس والمنشد.. فهي تارة هنا وتارة هناك، حتى إذا صعد المنشد إلى المنصة، تركزت كل العيون عليه وهو يقول:
- أكمل نشيدي أم اخرج. 
ردين بصوت واحد:
- بل تكمل.
- من خلف الستار أم من أمام الستار 
- بل من أمام الستار.
فأكمل نشيده وهن يرددن من بعده..طلع البدر علينا.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24