الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قصة سينمائية قصيرة
بيل فيل - حميد عقبي
الساعة 14:19 (الرأي برس (خاص) ـ باريس - أدب وثقافة)


يسير في الشارع، يترك لساقيه أن تقوده دون أن يبدي مقاومة أو يعطيها إشارة عن الجهة التي يريدها، الآن توشك الشمس أن تودع المدينة، هنا باريس، يا لها من مدينة تحوي الكثير من السحر والغموض والمفاجأت، سكنته منذ الساعة الأولى قبل عدة سنوات، لحسن حظه مايزال شاباً أو هكذا يُحسّ، يتحاور مع نفسه، يصل الآن لمنطقة شعبية ترى فيها كل الوجوه من جميع أنحاء العالم، قرية مصغرة للكون تضم نماذج لجميع الجنسيات ومحلاتها وأسواقها كذلك، تجد المأكولات العربية والصينية والأفريقية ومطاعم فرنسية وإيطالية، لوحة مدهشة تفوح بالتنوع وضجيج يتكون من خلطات لغوية متنوعة، الجميع يتحدث بلغته ولهجته ويلبس زيه الشعبي وهكذا هي حياتهم هنا أشبه بكرنفال دائم، هي حياتهم الطبيعية هكذا.
إنها (بيل فيل)؛ يزورها عندما يشتهي تناول وجبة مختلفة، لكنه لا يشعر بالجوع وليس من مدمني الحشيش أو المخدرات، لماذا ينقاد إلى هنا؟ لم يأبه بالرد على السؤال، يسير متأملاً بعض المشاهد، في كل زاوية يجد مشهداً مختلفاً ينقله إلى بقعة ما من الكون، يترك لنظره تصوير بعض الأحداث في هذا المتحف اللأمحدود.
يتوقف للحظة، يرفع رأسها إلى السماء مستمتعاً بلحظة الغروب، هنا؛ تتقدم نحوه ثلاث راهبات، يحطن به، يمطرنه بالتحية، تتحدث الأولى
ـ مرحبا، نحن الأخوات الثلاث مبشرات المخلص..يبدو أنك مؤمن ولتسمح لنا بدقائق لنحدثك عن أبونا يسوع المخلص.
قبل أن يرد تسارع الثانية تمد إليه بنسخة ملخصة للكتاب المقدس، تبتسم
ــ سيدنا يسوع يحزن الآن علينا وهو يرى الناس يتخبطون دون أن يغسلوا خطاياهم التي ضحى من أجلها أي من أجلنا جميعا، أنه هنا وسيظل مخلصنا إلى الأبد.
تتقدم الثالثة
ـ الآن أنت مقتنع، خذ هذه النسخة وتأمل كلمات الرب لتعيش بسعادة وستجد هنا عنوان كنيستنا ومواعيد الصلوات، الآن عليك أن تتبرع ببعض المال للرب.
يرتبك، يبتسم، يُخرج من جيبه يورو ويسلمها للأخيرة، تنظر إليه وهي تتأمل قطعة النقود ويبدو أنها غير رأضية بعض الشيء، تبتسم الأولى
ـ المال ليس كل شيء..سننتظرك يوم الأحد لتحضر القداس.
يأخذ الملخص، يشكرهم، يتركنه ويسرعن لمحادثة شخص أخر.
بعد خطوات قليلة، أحدهم يسرع بجره بعيداً، رجل ملتحي وبدين لا يعرفه، يأخذ الكتيب الصغير منه، يمزقه ويرميه في المزبلة، يعنفه بعبارات قاسية
ــ أنت مسلم، كيف تقبل أن تضع في جيبك كتاب النصارى ألا تخاف غضب المنتقم الجبار الذي لا يغفر الشرك والكفر به..أنت مسلم وكتابك القرآن الكريم يهدي إلى الرشد، هؤلاء حطب جهنم وبئس المصير.
يحاول الشاب أن يشرح لهذا الرجل وجهة نظره لكنه لا يترك له مجالاً، يواصل الرجل حديثه وهو يمد كتيباً صغيراً
ـ خذ هذا طريق الهداية والجنة، الجنة عرضها سبع سموات وحوريات وولدان ونعيم مقيم..هات خمسة يورو نحن نبني مسجداً لهداية الناس لنخرجهم من الكفر والضلال إلى الرحمة والجنة..ألا تحب أن يكون لك حوريات وولدان؟ هات..هيا عليك أن تساهم.
يجد نفسه مضطراً فصوت الرجل أصبح غليظاً وعليه التنفيذ على الأقل كي يتخلص من هذا الموقف، يسلم المال للرجل الذي يصفعه على كتفه ثم يبتسم
ـ أنت أيها الشاب ستجد عنوان مسجدنا ومواقيت الصلاة والدروس بالكتيب وأحذر أن أراك تأخذ كتب النصارى، هذه المرة نصحتك وفي المرة الثانية سأكسر رقبتك.
مع هذا التهديد يجد نفسه يسرع في خطواته ليبتعد ويرمي بنفسه في شارع مزدحم.
ها هي تباشير الليل تفتح دفترها، يُحسّ أن حلقه جفَّ تماماً، يدخل إلى أحدى الحانات، يطلب كأس جعة، هنا يقترب منه شاب أفريقي، يقف بجانبه
ـ أنت لدي أصناف راقية من الكيف لن تجد مثله في السوق، هيا هات عشرة سترى العالم جميلاً
يعتذر لمتحدثه شاكراً
ـ أشكرك لست بحاجة لهذا
تتغير ملامح الشاب الأفريقي ويُخرج من جيبه سكيناً صغيراً
ـ هل أنت غبي؟ عليك الدفع يا أبله ..أنا لا أضيع وقتي بدون مقابل.
تحت هذا التهديد، يضطر للتنفيذ، يأخذ قطعة الحشيش يدسها في جيبه، يشرب كأسه دفعة واحدة، يدفع ثمن الكأس، يخرج مرتبكا، ينظر إليه بائع الكيف، يودعه ضاحكاً
ـ ستشكرني عندما تجرب، لا تنسى ستجدني هنا..أسمي بوب صاحب الكيف العالي.
بعد لحظات من خروجه يصتدم بامرأة، لم يكن يقصد ذلك، تبدو أنها بائعة هوى أسيوية، تبتسم له، يعتذر لها
ـ لا داعي للإعتذار هل يمكنك أن تشعل سيجارتي؟
يستخرج قداحته ويناولها، تأخذه منه وهي تضحك، تقترب منه أكثر
ـ أنت شاب لطيف، يمكننا الذهاب إلى بيتي، أنا ماهرة في التدليك وأشياء أخرى ولن تكلفك هذه المتعة كثيراً فقط تدفع 50 يورو لنصف ساعة لتعيش في الجنة.
يأخذ قداحته، يشكرها ويحاول أن يبتعد، تمسك بيده، تضعها على صدرها، ينتزع يده، يهرول مبتعداَ، يشعر أن أحداً يلاحقه، يلتفت تكون ورائه بائعة هوى رومانية، يبدو أن هذا الزقاق خاص بالعاهرات، عشرات من كل لون وجنس يعرضن أجسادهن للمتعة، يتوقف للحظات للبحث عن مخرج، يجد نفسه قرب موقف الحافلات، لحسن حظة تتوقف حافلة، دون تردد يسارع بالركوب، يشعر ببعض الراحة، يجلس قرب النافذة، تنطلق الحافلة.
ما الذي يحدث؟
سأل نفسه عدة مرأت، هو يعرف هذا المكان ويستمتع بهذا التنوع والألوان ويعجبه التوقف لسماع أغاني الشارع وعزف بعض المتشردين، يعجبه رسامي الشارع وباعة التحف، لكن هذه الجولة صادف باعة من نوع آخر، ليس غريباً أن تصادف هكذا باعة وعروض لكن الأساليب تغيرت.
بينما هو يحاول أن يغمض عينيه ليأخذ غفوة للحظات، تتوقف الحافلة، لقد وصلت للمحطة الأخيرة عليه النزول، لم يهتم بموقعه، بعد خروجه من الحافلة يجد نفسه بحاجة للتدخين، يشعل سيجارته، هنا تقترب منه فتاة فرنسية جميلة، بحياء وصوت خجول تطلب منه سيجارة.
ـ مساء الخير..معذرة هل من الممكن أن تعطيني سيجارة، يبدو أني فقدت علبتي
يلبي طلبها، يبادلها الإبتسامة، تشكره الشابة لكرمه، تمد يدها لتحيته
ـ يمكننا أن نتجول قليلاً ..أعشق هذا الطقس وهذه المنطقة غنية بالدهشة.
يوافقها، يسيران، يعرفها بنفسه، يسألها عن نفسها.
يتوقفان قرب مقعد، يبدو المكان شبه خالي، ينظر إلى القمر يسير بخطوات بطيئة يتخطئ غيمة داكنة، يجلسان، تقترب منه، يتشجع لملامسة كتفها، تنزع معطفها الخفيف.
ـ أنت لطيف وخجول، تحب أن نقضي بعض الوقت، هنا المكان خالي والجو رومانسي
ـ أعذريني..أنا مرتبك بعض الشيء حدثت لي مصادفات غريبة.
ـ هنا يحدث كل ما تعجز أن تتخيله، هذا عالم يختلف عن غيرة، تحب أن تتمتع معي
تمسك بيده تغرسها بين فخذيها، تكشف عن صدرها.
يزيد إرتباكه، يزحف مبتعداً، تمد بيدها لتداعب فتحة سرواله.
ـ أنتظري يمكننا الذهاب لتناول كأس.
هنا يظهر ظل شخص، تهبط يد غليظة على كتفه، يكون ورائه أحدهم يخاطبة بلهجة تهديد
ـ أنت هيا أدفع إليها ما عليك..50يورو لا تنقص مليماً وإلا ساهشم رأسك.
تنهض الفتاة وهي تضحك، تتغير ملامح وجهها البريئة، ترقص، ترفع فستانها القصير لتكشف عن مؤخرتها، تخاطبه ناصحة
ـ المال وإلا …هذا قوادي الشرير ولا يمزح.
  يتلعثم الشاب، لا يدري كيف يتصرف!
يصاب بالصدمة.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24