الاثنين 29 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
شاهد بالصور موظف يمني يهيم في شوارع العاصمة ويمتهن بيع مخلفات البلاستيك "تفاصيل مؤلمة"
الساعة 21:13 (الرأي برس - نبيل الشرعبي)

أحد أقدم وأهم موظفي وكوادر الصحة النفسية بديوان عام وزارة الصحة العامة والسكان بالعاصمة صنعاء، واسمه عبده أحمد زيد ثابت المقرمي، يقول إن الأمانة الاخلاقية وقبلها الفطرة الإنسانية السوية تحتم عليا كإنسان أولاً وموظف حكومي ثانياً ألا أغدو قاتل أقف بصف أحد طرفي الصراع في اليمن..ولذلك اخترت التشرد والفاقة مع الاحتفاظ بكرامتي وإنسانيتي التي تنشد السلام الكامل للوطن والمواطن، وفضلت العيش على رصيف أحد شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، متخذ من مساحة تقارب المترين في مترين سكن أعيش فيه دون أي حاجز أو ساتر خفيني عن المارة والذين أحياناً ما يتعثرون بي في غفلة منهم وأبادرهم بالاعتذار نيابة عنهم..

في أتون الصراع الذي يفتت اليمن هرع كثير للتسابق والظفر بمكان وظيفي مميز مرموق مقابل الانظواء تحت مظلة أحد طرفي الصراع فيما فضل المقرمي البقاء بعيدا عن دائرة الحرب رافضا كثير من الاغراءات التي عرضت وما زالت تعرض عليه من طرفي الصراع مقابل عمله معهم، ومن تلك العروض مدير عام ورئيس قسم ووكيل مساعد ورفض حتى مجرد التعاطي معها..

مع توقف الراتب كلياً منذ حوالي عشرين شهراً، قرر كعادته عدم استجداء العطف من طرفي الصراع، وبدأ في اتخاذ مسار مغاير لمسارات غالبية موظفي الدولة، وقام بايجاد أكياس والشروع في جمع مخلفات البلاستيك وعلب المشروبات الغازية والعيش من عوائدها المتواضعة للغاية إذ محصول ما يجمعه مدة يومين أو ثلاثة أيام بالكاد يكفي لتغطية وجبتي طعام بسيطة، ورغم ذلك لم يستسلم وينساق وراء الإغراءات التي تتوالى عليه من طرفي الصراع بحكم مجاله الصحة النفسية..

حوالي عاميين وهو يعيش على ما يتحصل عليه من عوائد مخلفات البلاستيك وعلب المشروبات الغازبة، وكل يوم يزداد ثقة بأن ما يقوم به هو الصواب، وفي المقابل الوقوف بصف أي طرف من أطراف الصراع هو عين الخطيئة..

في تنقلاته بين شوارع العاصمة صنعاء بحثاً عن مخلفات البلاستيك وعلب المشروبات الغازية، إن صادف وجود علبة مشروب غازي أو قنينة بلاستيك في مكان مزدحم الأشخاص يقترب منها ويلتقطها بروح مرحة وأسلوب شيق ويردد بكل أنفة لا تستغربوا هذا ما تبقى من الاقتصاد اليمني.. وكثير ما يحاول أشخاص منحه مساعدة مالية ويرفض قبولها قائلا: أشكرك أنا أكسب ما يكفيني لأعيش بكرامة وهناك أخرين حاجتهم كبيرة فحاول البحث عنهم ومساعدتهم ويبتسم ويغادر المكان..

في بداية اتخاذه القرار هذا رغبت في مناقشته ولكنه قاطعني قائلا: أنت بالنسبة ليس مجرد صديق وإنما روزنامة قيم نبيلة ولذلك لن أقبل أن تنظر لي بعين الشفقة بل أريدك أن تعد ما أقوم به مصدر اعتزاز لك لكوننا صديقيين منذ العام 2011 حيث جمعتنا على الود والصدق والتحرر من تبعية وعبودية الرغيف المستل من مزابل القتلة والفاسدين ثورة 11فبراير العظيمة، ثم أخذ بيدي وقال اليوم سأصطحبك بجولة معي لتعرف كم مقدار النصر الذي أحققه وكثير أمثالي من هذا النشاط.. 

إنه موظف يمني منذ ما يفوق الـ15عاماً في إحدى أهم الوزارات وهي وزارة الصحة العامة والسكان، ومحسوب على القوة الوظيفية التي اقترحتها منظمة الصليب الأحمر الدولي على وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات المختصة بالحكومة اليمنية وبعد تأهيل وتدريب عالٍ في مجال الصحة النفسية.. 

وحسب وثيقته الشخصية الصادرة من مصلحة الأحوال الشخصية اسمه عبده أحمد زيد ثابت المقرمي، ينحدر من إحدى مديريات محافظة تعز.. في العقد الرابع من العمر، عمل في المصحة النفسية بالعاصمة صنعاء لسنوات ثم انتقل بصفته كادر مؤهل من قبل الصليب الأحمر إلى ديوان عام وزارة الصحة_ إدارة الصحة النفسية وما زال حتى الوقت الراهن موظف من الدرجة الخامسة، لكونه لا ينحدر من أصل نافذ، فوالده مزارع بسيط.. أضف إلى ذلك بأن اختيار الصليب الدولي له_أي عبده زيد، ليكون محسوب على الطاقة الوظيفية المخصصة له كان نتاج مفاضلة في معايير الإلتزام والكفاءة..

عبده أحمد زيد، زيادة على كونه أحد أبرز الموظفيين المتسمين بالنزاهة وبالاجماع كان نقابي بارز في نقابة موظفي وزارة الصحة ودفع ضريبة باهضة جراء مواقفة الصارمة مع قضايا وحقوق الموظفين، وتسبب له الإلتزام بالنزاهة بكثير من المشاكل أبرزها حرمانه من الترقيات ومصادرة حقوقه في سبيل الضغط عليه للانصياع لتوجيهات لوبي الفساد وقابل ذلك وما زال بالرفض والاستمرار في كشف قضايا الفساد واهدار المال العام.. 

عام 2015 أطلق مع عدة شباب أول مبادرة يمنية تدعو للسلام وهي مبادرة "الوطن قضيتنا" وتم نشرها في كثير من وسائل الاعلام المحلية الإلكترونية، وعلى خلفية نشاطه الداعي للسلام تعرض للاعتقال مطلع العام 2016 وكانت وما زالت المضايقات تتعقبه.. كما أنه مر عليه حوالي ستة أعوام لم يستطع خلالها زيارة أسرته ووالديه المسنيين..

إن قصة هذا الموظف اليمني في الواقع هي اختزال لواقع أكثر من مليون موظف حكومي يعيشون فاقة تتمدد كل يوم أكثر جراء حرمانهم من رواتبهم التي كانوا يعيشون عليها ناهيك على عدم التوقف عند هذا الحد فيتم التنكيل بهم بأساليب متعددة.. كما تجسد حقيقة واقع أكثر من 23مليون يمني يعدون ضمن البشر الأفقر عالميا.. ولتكن صورة الموظف اليمني المقرمي، سفير اليمن لدى العالم تكشف حال الواقع المحيط بالإنسان اليمني والذي تمارس كثير منظمات التعتيم عليه لخدمة طرف ما من أطراف الصراع، منتهكة كل القوانيين والتشريعات والقيم والاخلاق مقابل مئات ألاف الدولارات تتحصل عليها لقاء تزويرها للحقائق وتنميق قبح القتلة وناهبي رغيف الفقراء.. وإذا لم تحرك صورة الموظف اليمني المقرمي العالم فلتكن وصمة عار في جبين العالم والبشرية الشاهدة على جريمة الإبادة الجماعية لأكثر من 23 مليون يمني..
______________________________

* تصوير خاص نبيل الشرعبي

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24