السبت 27 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
نصوص ولصوص - علي أزحاف
الساعة 12:36 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

يُعرف القدماء السرقة الأدبية بأنها نوع من التكرار اللفظي والمعنوي، مع سابق إصرار وترصد، لنصوص سابقة، قد تكون متواردة ومعروفة أو نصوصا مجهولة يندر تداولها..
لكن يبدو أن المجال التداولي للسرقات الأدبية قد ناله حظ كبير من التطور والاجتهاد.. فقد تجاوز هذا التعريف في زمننا الحديث وأصبح ينسحب على ميادين أخرى، منها البحوث العلمية والإجتماعية وغيرها. ولم يعد مقتصرا عن المعاني والألفاظ فقط، وإنما أصبح ظاهرة تطال مقالات وبحوثا وكتبا بأكملها..

وما حدث مؤخرا بخصوص سرقة كاتبة مغربية متناً روائيا مصريا ونشره باسمها ليس سوى رأس جبل الثلج الذي يخفي أكثر مما يظهر.. 
فمشهدنا الثقافي، وخاصة الأدبي منه، يزخر بالكثير من المنجزات سيئة الذكر في هذا المجال... يقوم بها "لصوص" احترفوا هذه المهنة وتفوقوا فيها حد الإبداع..

ويمكن أن نصنف هؤلاء إلى فريقين:
1-اللصوص الكبار: الذين عرفت عنهم إنجازاتهم العظيمة في مضمار السرقة والاقتراض الممنهج من أبناك الإبداعات العالمية (نثرا وشعرا)... وهؤلاء الكبار قدّموا لنا دروسا تقنية في فن السرقة من متون معروفة لدى القارئ الجاد... متون عالمية كبرى.. فكم من واحد منهم غرف -دون استحياء- من طاجين فرانسيس بونج، سان جون بيرس... ونصوص المتصوفة والشعراء العرب... يتم ذلك، أحيانا تحت مظلة ما يسمونه -تعسفا- التأثر الثقافي، أو التناص، أو محاورة نصوص معينة... أمّا في الواقع فهو استيلاء ممنهج على بقع من أراضي الغير أو" تلاص" ما أُنزل به من سلطان..

2- النشالون الصغار: هؤلاء يكونون في الغالب تلاميذ كسلاء لشيوخهم من اللصوص الكبار. بسبب ضيق أفقهم الثقافي وفقرهم المدقع في مجال الاطلاع على الإنتاج الأدبي العالمي، وإما بسبب جهلهم للغات الأجنبية أو لأسباب مماثلة، يكتفون بالنبش في بعض النصوص المترجمة إلى العربية، يقتطعون منها طرفا يلصقونه بطرف آخر، ليخرجوا علينا بنصوص معاقة تتعكّز على عصى المعنى والإبداع بصعوبة واضحة.. يغلب عليها النشاز وتسودها ضبابية الأعطاب، الأسلوبية والفنية...

ويَجمع هؤلاء النشالين بلصوص الفريق الأول الاشتغالُ الجاد على النصوص السردية والشعرية (العالمية والعربية) تلخيصا وتحريفا وتلفيقا حد التشويه والمسخ...
وتختلف مصادر السرقة عند هؤلاء وتتشعب وقد تلتقي، أحيانا، في وسط الطريق... فمن سرقة وانتحال نصوص معروفة (بوكوفسكي، كورتازار، سركون بولص... وأعمال ادبية عالمية أخرى) إلى نهب الموروث الثقافي الشعبي (الأغاني الشعبية) أو الميل الى الاشتغال على كلمات أغان موسيقية تنتمي الى الـ"بوب آرت" والجاز... أو تلخيص نصوص ومعلومات تاريخية؛ والاشتغال عليها بتقنية "الكولاج" ولمّ المعلومات الخاصة والعامة لتحويلها إلى عمل روائي طويل ،أو نص قصصي أو شعري ،مسبوك، بلغة سليمة، لكنّ بنيانه الدلالي والجمالي فارغ وهش... لا يقدم أي قيمة إضافية للكتابة السردية أو الشعرية.. ولا يحقق أي  فرادة، أسلوبية أو تخييلية... سواء لدى من يكتب أو لدى من يقرأ.. 

يمكن تشبيه ما يقوم به هؤلاء وأمثالهم بما قام  به المستعمر، الذي كان يقتحم بلدانا ويستعمر حضارات، مخرّبا وناهبا ثرواتها بدعوى التبشير بقيم الحضارة الإنسانية الحديثة... كذلك يفعلون مع نصوص الغير، بدعوى التناص، التأثر، والتحاور الإبداعي والتفاعلي..

ويبقى السؤال الحقيقي: لماذا يسكت النقد عن هذه الظاهرة ولا يفضحها؟ وهل حقا لدينا نقد أدبي جاد وموضوعي يميز بين الغث والسمين ويعطي لكل نص حقه؟.. أم أننا فقط أمام نقد مأجور، يتحرك ويكتب تحت الطلب، تتحكم فيه ميول "لا أدبية"، لا يربطها بالنقد رابط حقيقي؛ نقد يغلب عليه التدليس وقلب الحقائق.. أو يمكن عدّه شهادات زور في حق ما ينتج لدينا من نصوص أدبية، ترفع من تريد وتغض الطرف عمن لا تريد...
هل يمكن اعتبار نقادنا مجرد مروضي قرود في غابة الرّداءة؟ يكتبون ما تمليه عليم المصالح الآنية، ضاربين عرض الحائط كل قواعد النقد، الموضوعية والشكلية والفنية...

لنفترض أنه ظهرت في ساحتنا الثقافية جبهة نقدية جادة لتفضح المنتحلين وتكشف الستار عن اللصوص والمقرصنين... ولنا أن نتخيل كم من أسماء ستتعرى من مجدها، وكم من صنم سيتحطم، وكم من شاعر "كبير" سيتحول الى مجرد كركوز يسخر منه القراء... وكم من قاص ستسقط أوراق التوت عن عورات مجده الزائف ويقف عاريا أمام الملأ.. وكم من بنيان مغشوش سينهار.. وكم من كاتب سيصبح مهزلة تتندر بها المجالس... وتتسلى بها الركبان...
مع الأسف، إلى أن يظهر مثل هذا "النقد"، ستظل بحيرة اللصوصية راكدة وسيظل كتاب الأمجاد الثقافية الزائفة يملؤون الساحات والملتقيات والمعارض... وسيظل الإبداع الجاد وحيدا، يسبح ضد التيار ويتأمل، من بعيد، ثقافة أدبية تطفو على سطحها أزبالها وترسو في قعرها دررها...
وسيظل النقد سجينا لرؤية انتفاعية بخيسة، لا يسلم منها إلا ما ندر من الأقلام الجادة والشريفة.

منقول من موقع لكم...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24