الثلاثاء 19 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
ترانيم السمر. . تشخيص الحياة من خلال إيقاعها وأغانيها - زياد القحم
الساعة 17:43 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

تتكئ الشاعرة سمر عبدالقوي الرميمة. . على وعيها الواضح بالشكل الشعري العمودي وقبل ذلك على حبها الكبير له.. تتكئ على معرفتها بالمعنى الشعري وعلى علاقتها الروحية به .. تمتلك قاموسها المتنوع وتنفخ من روحها على الكلمات .. لديها تمكن واضح من الصياغة المتقنة والمدهشة ، والمقدرة على الذهاب بالمعنى في خطه العادي إلى منطقة خاصة غير عادية .. منطقة ليست ب الواضحة التي لا تحتاج إلى تأمل، ولا هي ب الغامضة التي يخرج فيها المعنى عن خطه .. والأهم أنها تقدم مادتها الكتابية في حالة امتلاء بالروح .. نصا شعرياً حيا .. وهي ميزة من تربطهم/هن بفنونهم/ هن حالة حب، ويشتغلون/ن أيضاً على التوثيق الإبداعي للذوات والأشياء التي يجمعها رابط الحب .. الأقلام التي تبحث دائماً عن هذا الرابط بين المعاني فتحبه وتكتبه. . هذه الروح نستطيع أن نلاحظها في القراءات الأولية قبل أن نتأمل أكثر باحثين عن التقنيات والصنعة. . التقنيات عنصر جمالي مهم ، ولكن روح الحب هي الأهم في سياق الفن والإبداع .. ومن يحب/ تحب الشعر سيتذوقه دائما عالي الحلاوة .. عسلا.. أو خمرا ولكنها بمذاق العسل .. هذا التذوق هو نتيجة عنصر الحب للشعر .. أما عنصر التقنيات ف نتيجته أن ترى النص تفكيرا مدهشا وتسبيحا بهيا ومطرا مضيئا. . إلى كل ذلك يشير أحد نصوص ديوان "ترانيم السمر" يشير النص ولا أقول تشير الشاعرة لأن للنص وعيه الخاص:
"قالوا وما الشعر قلت الشهد أجنيه 
مشاعر القلب سكرى في روابيه 
يحلق الفكر في أرجاء دهشته 
وتسبح الروح في أبهى معانيه 
غيث من الأنس يكسو عالمي ألقا 
نور كما الصبح أهنا في تجليه" 
ويعود هذا النص في مقطع آخر ليؤكد هذا المعنى (تزاوج الروح/ الحب والشوق مع نسل الفن/ الاشتغال والصنعة):
"قالوا وما الشعر قلت الحب يسكنني 
اذا غفا جفنه؛ شوقي يناديه 
هو اتصال بنسل الفن يحملنا 
على بساط النهى تحلو أغانيه"
*
الترنيمة هي أداء صوتي لنص ديني فيه معنى الحب والتعلق، والترانيم مصطلح مسيحي لهذا النوع من الفن، اختارته الشاعرة لتعنون به نصوصا دينية إسلامية. . فهل قصدت بهذه الطريقة أن تشير إلى انفتاح نصها على الآخر .. أن تكتب نصها الروحي وتضع له عنوانا روحيا. . ليصبح النص وعنوانه مادة واحدة .. رغم أن كل منهما يتصل بثقافة مختلفة عن الآخر في التفاصيل .. أم أنها أرادت فقط الإشارة ب الترنيمة إلى غنائية نصوصها .. الشاعرة في كل الأحوال هي السمر المملوء ب الترانيم والصلوات وموسيقى الحب .. حب الإنسان وأوطانه وقومياته ولغاته وعالمه وأفكاره وإلهه:
"أنا بسمة للدهر غاب بريقها 
مذ داهم الموج العتي بحوري 
أنا نخلة السلم التي عصفت بها 
فتن لنزع أصالتي وجذوري
لكن لي في العزم شأنا سامقا 
فلكم تهاوت فتنة بصخوري 
وسجدت للملك العظيم تذللا 
اجبر بعطفك يا كريم كسوري"
*
قبل أن أستطرد في الحديث عن رصد هذه النصوص لحالة الغناء في كل شيئ حولها، لا بد من الإشارة إلى أن الشاعرة مؤلفة أغان، متمكنة من الكتابة عن مواضيع مختلفة ومناسبات متعددة، وكما هي متنوعة في كتاباتها الغنائية فإنها في هذا الديوان عبرت عن هذا التنوع حين كتبت قصائدها الرسالية عن "المعلم- الدين- العلاقات العاطفية- العمال- الوطن- العروبة- فلسطين- الأسرة- المديح النبوي- ...الخ" وهي بهذه الطريقة تقدم نموذجاً مميزا للقلم المرتبط بالحياة وشؤونها المختلفة 
*
في تجربة ترانيم السمر كان الغناء بمختلف أشكاله والموسيقى حاضران في معظم الموضوعات، فمثلما يستمع الطبيب إلى إيقاع القلب ليعرف حالته الصحية كانت الشاعرة تفحص الأشياء والناس من خلال البحث فيهم عن الإيقاع والأغنية. . تستحضر الإنشاد وهي تعاهد وطنها :
"يا موطني عهدا علي قطعته 
بقصيدة يهفو لها إنشادي"
وتجعل غياب شدو الحمام علامة على يومها الحزين الذي تودع فيه أحبابا راحلين:
"لا لم يعد ذاك الصباح محلقا 
كلا ولا شدو الحمام يثار "
*
وتجد أن الألحان هي الهدية الأنسب للوطن:
"تنساب ألحان المحبة من فمي 
فبطيب ذكرك جنتي وسروري"
وفي حوارها بين حبيبين؛ تقول الحبيبة:
"يا أجمل الألحان كم 
روحي تغرد من خلالك" 
وحين أرادت أن تعبر عن علاقتها ب حبيبها اختارت أن تشبه ذلك بالعلاقة بين اللحن والوتر: 
"مساؤك الحب يا عطرا لأزهاري
ويا لحونا بها تختال أوتاري"
*
تقاوم وحشة الدنيا بالحب الذي يصاحبه التغريد كنوع من الغناء:
"وأن دنيا بلا رؤياك موحشة 
فأنت بالحب والتغريد تشجيها"
وحين تحدثت عن الحب في مقام الوطن تخيلته معزوفة: 
"تعزف الحب شعارا خالدا 
يمني الضوء عذب النغم"

وترى في الغناء علامة على رقي الروح:
"نعم فالروح إذ ترقى تغني 
فيطرب شدوها كل البطاح" 
*
حتى حين فكرت في الكتابة عن جمال الليل -ساعات السمر- خصصت نصها لتمجيد النشيد واللحن والترنم. . واستحضرت واحدا من رموز الأغنية الكبار في اليمن العالم العربي وهو الشاعر والملحن الراحل حسين أبو بكر المحضار:
"وغفت على شرفاتنا الأقمار 
وترنمت لنشيدنا السمار 
وتبسم الليل البهيج محدقا 
فالكون شعر والصدى أوتار 
غارت طيور الأنس من تحليقنا 
وتساءلت: ألذا الشجى أسرار 
فأجبتها: ذا السر في ألحاننا 
بالدان صاغ حنيننا المحضار"
*
ذروة التعبير عن علاقة الشاعرة العميقة جداً بالغناء كانت في نص "قيد انتظار" لقد عبرت عن افتقادها لأمها من خلال التعبير عن رغبتها في سماع صوت أمها وهي تغني وتؤدي "الملالاة" والملالاة هي لون غنائي شعبي تؤديه النساء في بعض أرياف مدينة "تعز" التي تنتمي إليها الشاعرة .. استحضرت هذا اللون وبعض ألفاظه:
"أجيبي قلبي الباكي وغني 
أيا أمي (ملالاة) النهار 
(ألا ليلاه لي لي ليه ليلا)
وعنك أيا أبي دمعي أداري"

منقولة من مجلة أقلام عربية..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24