الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
«مرتفعات ردفان»... ذاكرة للسرد والاستقلال - عبد الحكيم باقيس
الساعة 12:25 (الرأي برس - أدب وثقافة)



 
 «مرتفعات ردفان» لحسين صالح مسيبلي، التي كتبت في مطلع السبعينيات، ونشرت في 1976، واحدة من نصوص متميزة ذاكرتنا السردية، وبعيدًا عن تطور الوعي بالكتابة الروائية وعناصرها حين نطل عليها الآن من نافذة ألفية جديدة، وقرن جديد، فهي تثير قضية علاقة الرواية بالتاريخ، وربما يحسن استدعاء هذا النص الآن بين يدي ذكرى الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967 مع خروج آخر جندي بريطاني محتل من عدن، بفعل الكفاح المسلح، لم يكن أمام الرواية ـ وهي فن الحكي الأكثر شهرة وشعبية، وتوظيفًا ودلالة ـ إلا أن تعبر عن هذا النضال، ووفقًا للنظرة التي تؤكد على أهمية الفن وتوظيفه لخدمة قضايا المجتمع، واحدة من نصوص ذات طابع تسجيلي، مكتبوبة في مدة قربية جدًا من فتوة لحظة الاستقلال ووهجها،  تحاول أن يوثق أكثر مما تحكي، وعلى هذا النحو جاءت نظرة كثير من كتاب الرواية فى اليمن، لا سيما فى الجنوب فى ظل رفع شعار (المرحلة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية) التي مر بها المجتمع فى السبعينيات، والتي اتخذت من الأشكال الإبداعية وسيلة من وسائل تربية المجتمع وتثويره، من خلال تقديم النماذج الإنسانية التي تتسم بالروح الثورية، اتساقًا مع فكرة تثوير المجتمع آنذاك، وخصوصًا أن مفاهيم الواقعية الاشتراكية أخذت فى الهيمنة على معظم أشكال التعبير، ومنها ذلك المفهوم الذى يرى "أن يرتبط العرض الفني الأمين للواقع والتاريخ بمهمة التربية الأيديولوجية للإنسان العامل وصياغته بروح الإشتراكية". 

 

وتمثل رواية «مرتفعات ردفان» نموذج الرواية الحربية، أو الوطنية ـ حسب التسمية التي يذكرها الدكتور عبد الملك مرتاض ـ فقد صاغت على نحو روائى يوميات وأحداث ثورة 14 أكتوبر 1963، وتصور المعارك والتضحيات التي خاضها الفدائيون في أثناء معارك التحرير، ففى هذا النوع من الروايات تبدو الشخصيات المناضلة تتحلى بنزعات إنسانية ووطنية ومشاعر نبيلة، وتعالج قضايا الحرية والكفاح ورفض الظلم والاضطهاد الذي يفرضه الاستعمار، وقد انتشر هذا اللون فى السنوات الثلاثين الأخيرة بين الشعوب المستعبدة من قبل الاستعمار كالشعوب العربية، كما جاءت هذه الروايات لتصور بشاعة الاستعمار فى مقابل الرواية التي تمجد وتكرس مفاهيمه، ومنها مفهوم الشخصية الأوربية الاستعمارية.

نشر حسين مسيبلي، على شريط الأحداث الواقعية والمعارك الحقيقة متخيله الروائي، وصاغ شخصياته الخيالية، في إطار زمن تاريخي مرجعي، كانت شخصيات إيجابية ونموذجية تتحلى بصفات وطنية ونبيلة، ولذلك قررت خوض المعارك دفاعاً عن الأرض، وهى بذلك تطرح فكرة البطل الثوري الذي نادت به الواقعية الاشتراكية، والذي يأتي من بين سواد الناس، كما طرحت   فكرة المشاركة الجماهيرية فى صناعة التحولات التاريخية، فعبد الله العامل القروي البسيط (بطل الرواية) يلتحق بصفوف الجبهة القومية، ويتطوع للعمل الفدائي ضد القوات الانجليزية فى مدينة عدن، لكنه عدما يعود إلى القرية يجد أنه بحاجة إلى العمل فيها من أجل تصفية العملاء والخونة الموالين للإنجليز، ممثلين بالشيخ وأعوانه ولذلك يقوم ببث الأفكار الثورية بين أوساط الفلاحين والقرويين، وهى الأفكار التي تعرف عليها فى عدن.


وعلى هذا النحو من الإيجابية كانت شخصية (أحمد) التي تتصف بملامح المثقف الثوري، النموذج المتكرر في كثير من الأعمال ذات الصبغة الوطنية والأيديولوجية، فلا تكتفي بالكلام أو نشر الوعي، بل تقوم بقيادة العمليات الفدائية بنفسها، في هذا السرد الحافل بالرؤية الرومانسية الثورية يشترك الجميع في معارك الاستقلال، تشترك النساء أيضا فى القتال، وتعد الأمهات أولادهن لذلك، مثل زوجة عبد الله التي تعلن أنها تعد ولدها قاسم للسير على نهج أبيه، وتلتحق الفتيات بالعمل الثوري والمقاومة الفدائية مثل سلمى وحفصة… وعلى هذا النحو تطرح الرواية فكرة البطولة الايجابية.

 
ولا تقف رواية «مرتفعات ردفان» عند تسجيل الأحداث ويوميات العمل الفدائي فحسب، بل أخذت فى نقد الواقع الاجتماعي المتخلف الذي كان سائداً قبل الاستقلال من خلال إدانتها لمظاهر التخلف الاجتماعي، مثل ظاهرة الزواج بالإكراه، وزواج الشغار والبدل، وانتشار مظاهر الخرافة والشعوذة والمعتقدات الكاذبة، ونقدها للنظام العشائري الذي يقوم على التمايز الطبقي بين أبناء القرى، وغير ذلك من العادات والمظاهر غير الإنسانية التي سادت الريف اليمنى، والكاتب فى تناوله لها إنما يريد التأكيد على أهمية الثورة وما أحدثته من تغييرات جذرية فى حياة المجتمع.

منقولة من موقع  العربي... 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24