السبت 27 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
تنويريون يمنيون ... واسئلة النهضة والتغيير2 - محمد عبد الوهاب الشيباني ‏
الساعة 14:19 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)




(2ـ2)

الشيخ الحكيمي و(السلام ) وفكر التسامح
اما صحيفة (السلام) ،التي اصدرها في (كارديف) عام 1948، كأول صحيفة عربية تصدر في المملكة المتحدة، الشيخ عبد الله علي الحكيمي، احد رواد مدرسة الاحرار اليمنيين ومنوريها، لتكون صوتا جديدا للمعارضة ، يوجه بعناية للمهاجرين اليمنيين المشتتين في الاصقاع ،وقد التزمت منذ اعدادها الاولى بحرية الرأي والتعبير، لتكون فضاء ثقافي انساني مفتوح . وان صاحبها حسب قادري احمد حيدر في كتابه " المثقفون وحركة الاحرار الدستوريين" "صوفي وثوري مقاوم . انخرط في تيار حركة التحرر الوطني العربية والقومية في بلدان المغرب العربي من اجل استقلال المنطقة من الاستبداد والاستعمار ،ومن اوجهه البارزة دعوته المبكرة لحوار الاديان والثقافات والحضارات" ، وان صحيفة السلام، حسب عبد الباري طاهر، تنويرية نشرت منذ اعدادها الاولى الاعلان العالمي لحقوق الانسان .
 

الاربعون ووجه اليمن الجديد
في يوليو 1947، غادرت من عدن صوب لبنان اول بعثة تعليمية يمنية لأربعين طالبا (في سن المراهقة المبكرة تتراوح اعمارهم بين الثانية والخامسة عشرة) من مدن مملكة الامام الرئيسية (صنعاء ـ تعزـ الحديدة) اختيروا بمقاييس فرضها الامير عبد الله ابن الامام وزير المعارف وقتها ، لحسابات سياسية في اطار التنافس داخل بيت الحكم.
 

الاربعون طالبا الذين نقلوا الى بعض مدن مصر بعد عام واحد فقط من دراستهم في لبنان (وما سيلتحق بهم من طلاب مبتعثين من الشمال والجنوب ،وكذا مبتعثي الاندية والاحزاب والاسر في عدن) سيشكلون اللحظة الفارقة في التاريخ السياسي والثقافي اللاحق لليمن. 
 

ففي القاهرة حسب كيفن روزر في كتابه "بعثة الاربعين الشهيرة" كان هؤلاء المبتعثون "منجذبين سلفا الى النشاط السياسي، وفي هذه العملية، صاغوا علاقات سياسية قيمة مع حركات يمنية وعربية متعددة. وكانت رؤاهم عن التطور الاقتصادي، والعلاقات الاجنبية، والتركيبة السياسية متكيفة مع نموذج الثورة المصرية " ،التي دخلت بكل ثقلها في معترك التحول في اليمن مع بزوغ ثورة سبتمبر، والتي كان فيها لطلاب البعثات في القاهرة (عسكريين ومدنيين)، الاسهام المميز فيها ،من خلال وجودهم ككادر متعلم في دوائرها ومؤسساتها ،او تحولهم الى قادة سياسيين في الاحزاب (الدينية والقومية واليسارية) التي حضرت في مشهد التحول الجديد، بوصفها حوضن للوعي السياسي، وروافعه المنظمة. ومن هذه البعثات ،خرجت اول مرة الحركة الطلابية اليمنية الموحدة ، التي ضمت ابناء كافة مناطق اليمن ،ودعت في مؤتمرها الدائم المنعقد في يوليو 1956 في القاهرة الى الوحدة اليمنية، وناهضت كل دعوة تتناقض مع هذا التوجه، وهي بذلك اول من اكد في العصر الحديث على وحدة الشعب اليمني ووحدة الاراضي اليمنية، وهو ما يعني ان فكر تلك الحركة قد اتسم بالعمق ،كما انطوى على نظرة استشراف تتسم ببعد النظر حول مستقبل اليمن ". كما يرى الدكتور احمد القصير في مخطوط " اصلاحيون وماركسيون" .
 

ومن هذه الحركة خرجت الكثير من وجوه التنوير والثورة والفكر والادب والسياسة ،التي عبرت بكل وضوح عن وجه اليمن الجديد .وعلى سبيل الذكر لا الحصر يحضر هنا اسم الدكتور ابوبكر السقاف المفكر اليساري الكبير، وعمر الجاوي السياسي والمثقف المختلف ،ومحمد احمد عبد الولي الروائي الرائد، والشعراء ابراهيم صادق ومحمد انعم غالب وسعيد الشيباني.
التنويريون بين تعالي السياسي وانكسار المثقف

 

منذ انطلقت رحلة المعارضة السياسية المبكرة في الثلاثينيات، كان الهم الاكبر الذي انشغلت به طلائعهم المثقفة ،هو كيفية اخراج البلاد من عزلتها وتخلفها المريع .وفي سبيل ذلك اتبعت ،هذه المعارضة، العديد من الوسائل في توصيل رسالتها الوطنية، ابتداء بنصح الحاكم، ثم الدعوة للإصلاح في اطار منظومة الحكم ذاتها، قبل الانتقال الى التغيير في اطارها ،وصولا الى تغيير نظام الحكم برمته، واستبداله بنظام آخر هو النظام الجمهوري، الذي جاءت به ثورة 26سبتمبر1962. 
 

وفي كل المراحل ظهر المثقف الرائد، مذوباً بفعله الحدود ،بينه وبين السياسي في الوظائف والادوار" التي تحولت بمرور الوقت الى حالة اشكالية ،اقتضت الحاجة الى اعادة مراجعة وفحص هذه المفاهيم ،بدلا من التماهي مع السياسي بوصفه السلطة وراس المال، وبوصفه ايضا القوة المادية والرمزية" كما قال علي حسن الفواز .
 

القوة ورأس المال الرمزي للسياسي ،ستتكثف خلال خمسة عقود في الحالة اليمنية وعلى وجه الدقة فيما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية ،والتي امتد تأثيرها الى الجمهورية اليمنية بعد حرب 1994 ،كسلطة تعيد انتاج نفسها في اطار التحالف القبلي العسكري الديني ،ولم تنتج، حسب وليد علاء الدين سوى الخراب "واخطر مظاهر هذا الخراب تمثلت في كسر إرادة النخبة، التي تحول دورها من كونها تمثيلا لسلطة المثقف النقدي والنقضي في آن واحد، إلى كونها أدوات تبريرية لخطاب سياسي يفتقر إلى أدنى الروادع القانونية والأخلاقية." 
 

لهذا لا غرابة في ان نشهد الان وبعد خمسة عقود ونصف من ثورة 26سبتمبر، هذا الانقسام المريع في بنية النخبة "بفعل الاستقطابات القوية والحادة ، التي امتدت لشريحة المثقفين، الذين بدأوا بالتحوصل داخل هوياتهم الاضيق (السياسية والمناطقية والطائفية) حين لم يجدوا مؤسسات الثقافة ،التي ينتمون اليها، قادرة على حمايتهم ،والتعبير عن استقلاليتهم ،وقبل هذا اذابة احاسيسهم بالتمايز داخلها، فصاروا مع الوقت عنوانا لانقسام المجتمع ،عوضا عن وحدته وتماسكه. 
 

بل وصاروا عنونا لمتاريس المتحاربين في كل الجبهات، لانهم ببساطة لم يستطيعوا تشكيل صوت نابذ للحرب ومجرَما لها، بسبب الضغوط الشديدة عليهم، وبسبب هشاشة تكويناتهم الفكرية، التي من المفترض ان تكون عابرة للجغرافيا والطائفة والعائلة." كما اراد التنويريون الاوائل .
 

(*) الصور للشيخ الحكيمي صاحب السلام والدكتور ابوبكر السقاف والاستاذ حسين الحبيشي والاستاذ محمد انعم غالب ( الاخيرون من الطلاب الملتحقين تاليا ببعثة الطلاب اليمنيين في مدن مصر ولعبوا في حياتهم الطلابية والمهنية ادورا تنويرية لاتخطئها عين)

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24