الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عزف في ديوان عزف لـ حنان أحمد - ثابت المرامي
الساعة 16:10 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


عزف المنثور من شعر ديوان عزف يثبت حقيقة كون الشاعرة حنان أحمد ، تكتب الشعر لدوافع وجدانية ملحة، و تصدر قصائدها عن تجربة ذاتية أنضجتها الأيام ، ومن يتأمل صورها وتأملاتها ، يجد في عالمها الشعري تماهي مع ما تفرضه مناسبة الوجدان ، فأشعارها تعبير عن نفسها وعن ذاتها وفصول ديوانها دالة على ذلك :
لأني أنا , بوح , أغنية الانتظار , خوذة الصبار , الذكر المنتظر , غياب الصباح , تساؤلات  
مجموعات من القصائد يحتشد بها هذا الديوان كنجوم مبعثرة في سماء القصيد , تتصف تجربة الشاعرة على عناصر متعددة يجسدها، العشق والظلال، البوح، والهروب وثنائيات التضاد بين الحب والغياب ، وما بين البوح والشكوى والثمالة  وأغنية الانتظار, والوجع وحكايات السقوط.  تطرز حنان احمد  قصائدها على إيقاع الذكريات والحنين والشوق، تسير في طريق نحو إنعتاق من قيود القدر، الى شمس الحرية ونور الدنيا نار وحلم، ترق السمع لحفيف الحروف، وهي تحكي نثرها الشعري  ، لتبحر إلى الضفة الأخرى من الروح كغجرية متمردة ترقص على إيقاعات الألم، خريف يواجهها يسقط الكلام وشحوب الألوان ، وتبقى الحياة عارية إلا من عبير الذكرى المحفورة على أجنحة الروح ، فحنان احمد تبوح بأسرار الحب، ولا تبوح بأسرار الحبيب ولا تكشف عن صور المحبوب وتفاصيله ، فتكفيه بالإيماء والتلميح والإشارة به , تقول 
عندما يلهون
بحديث المرايا 
أجهض لوعتي
وأستلقي بهشيم غربتي 
لأبحر , في غفلة هاربة 
ثم أعود بابتسامة شاهقه
ودمعة كبرياء 
وأقول في نفسي (ليته) 
إلا إنها حين تغني أغنية العزاء , ترقص حافية على كسر اللغة في نصها ( كذبة ) وتعدوا كوكبة على شكل ظل فراشة تعزف اللهب في نص ( فراشة ) انه حب وحالة من الشجن وما يترسب في المشاعر من عواصف مشبوبة، وحنين جارف
أمنيتي هذا المساء 
تحتويك , تحتويني 
تحمل الحلم وتهرب  
تقضي حزني  , وفرحي 
يا مساء الوهم يكفي 
أيهديك كل ضباب 
يرتعش بأحداق حلمي؟
أمنياتي ليست خرافة 
ليست سراباً
ليست دخاناً
الحب كفيل بإيقاظها
هي مجرد نائمة 
على محراب وجعي 
عل الليل يتماهى
ويداهمها الفجر .. 
في هذه النص تقترب حنان من نظام الموشح ، تتحدث الشاعرة عن الحلم ومساء ذات وهم  وأمنياتها ليست خرافة ولا سرابا ولا دخاناً ، الحب كفيل بإيقاظها , كمناجاة للحنين تساهره وتسامره على بعد , وبأمكان القارىء المتتابع لقصائد الشاعرة أن يدرك ابعاد ذلك التداخل بين الحبيب فما يلفت الانتباه في ديوان شاعرتنا ، الاصرار على الايقاع الموسيقي وظلال الاشياء وما المساء وباقي عناصر الطبيعة إلا مصادر للتذكر والحنين ومقاومة النسيان ، وبساطة العبارة الشعرية التي تمنحها وهج النشوة والمتعة من أعماق روحها التي تتلاقى مع الحياة, كلما اقتربت من قصائدها أكثر بدا لي شعرها أكثر إثارة للدهشة، وزاد يقيني بأنها تترك للشعر يكتب نفسه والقصائد تكتب نفس الشاعرة وترسمها وتلونها كالألوان ، فقصائد عزف تشبهها دوما، وتأخذ شكلها وروحها الشعرية لقد نجحت حنان أحمد حقا في استنطاق المكونات الطائرة في نفس الشاعرة، وهي توقظها من وعيها لتدخل بها ساحة الشعر، وتبدو كأنها تتعامل معه تارة برقة، وتارة أخرى بقسوة، وفي أحيان تكون اللحظة الشعرية واضحة سافرة في المعنى، فأشعارها تركز على التكثيف والأختزال ، أنها شاعرة  تشتعل بالأسئلة الحارة وكفى يقال ...
كيف يسكن الليل ؟
كيف تهدأ أنفاسه؟
رغم كل العواصف المتعبة
مابين حرقة البوح 
وبرودة الوحدة 
أهكذا يكون الصدى ..
عابقاً باللا شيء
أعتقد أن الكواكب 
عند ظلامها 
تختبىء خلف سترة الكعبة..
ريثما يكسوها النور.
عين السماء علينا !
كيف لا نستحي؟
لم أعد أفقه كيف يكون السؤاال؟؟
هذه حنان احمد  الشاعرة المسكونة بين الصمت والمعنى والسؤال وبجوهر الأشياء ، فالجملة الشعرية عند الشاعرة تأتي من معاني جميلة وملفوفة بموازنة شعرية دقيقة، بين الفكرة عمقاً، وأصالة، وتجديداً ، وبين عرضها بأسلوب الحداثة الشعرية وتقنياتها وموسيقاها وأنينها 
فالنصوص الشعرية التي تحشًد بها ديوانها والتي تأتي في بنائها المكثف تتحدث فيها الشاعرة بعفوية متألقة وتقنية بالغة التألق والجمال، وتمسك بدلالات موضوعها على نحو تلعب في حقل اللغة بمهارة وعلى تحويل واقع الخيبة والألم إلى واقع شعري صاف وجميل ، تتآزر موسيقاه وصوره ودلالاته في نقل أحاسيسها إلى قارئها والتأثير فيه ، فمفرداتها شديدة الإيماء كالشعر والأماني والحلم والفجر وغياب الصباح والثمالة والصحوة  وحكايات السقوط والحيرة , وما يحدث عند تلاقيها من تصادم وانشطار وتشظي في الألم ، ويجعل من هذه الأمكنة وأشياء الطبيعة من خلق شعور بالألفة والانسجام الذي يخدم ايقاع الوجع، وما تتركه مجتمعة من فضاءات روحية ، وإيحاءات محفزة للمخيلة الشعرية، بلغة رشيقة وصور رامزة ، وإيحاءات كامنة في دلالات لا تخلو من فيض من الأحاسيس والرؤى المقلقة التي تشير ولا تفصح، والمدرك والمدقق فيها يكفيه فهم أبعاد الرؤيا وتحسس ما هجست به الشاعرة من رغبة في معادلة بالغة العمق وجوهرية الدلالة
تلك تجليات الشعر في أضيق المساحات المكانية والزمانية، انطلاقا من الشعر كالذهب، قليل ونادر، ولكنه غال الثمن والمعنى، وتستوفي الشاعرة بهذه التجربة الشعرية طاقتها وتوترها، وتضع بصمتها على جرح التجربة _ إن جاز التعبير _ تجربتها مع الشعر ومع سيرتها الذاتية التي تحترق نصوص المجموعة، وتطل منها شامخة بخرسها وتعاليها المنكسر,  قادرة على إثارة وجدان القارئ واستدعاء ذكرياته وما لها من ارتباطات بالماضي، وظلاله الضاربة 
في ثنايا الروح , وبهذا نختتم قرائتنا بقولنا ان حنان احمد شاعرة صاحبة دهشة في توزع أبياتها في شكل إيقاعي مترابط يتوارى وراء نسق تعبيري تربط أبياتها الرشاقة والخفة وجمال القراءة ، وتفتح فضاءها الشعري لمسموح عذب في اللغة والمعالجة، كما إن نبرة القلق الشخصي المرتاب تتسرب الى ثنايا النص، وهي قوام كل أفق شعري يسعى الى أن يكون مزحوماً بالدلالات والرؤى، وهي مسكونة بالثقة ومكرسة للحلم

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24