الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الكورونا المستجد، فيروس خرج من عباءة الزمن - لخليف إبراهيم
الساعة 12:08 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

للإنسان سابق معرفة بالكورونا. كانت لهذا الأخير صولات وجولات عبر التاريخ. ربما في فترات قديمة لم يكن العلم متقدما كما عليه الأمر حاليا. لكن في السنوات الأخيرة بفضل الطفرة التي عرفها تم تجنيب البشر شروره ومدارة مآسي كثيرة كان سيتسبب فيها. اعتقد الباحثون أن هذا الكائن الفيروسي لم يعد يشكل خطرا، وانصرفوا إلى بحوث تطال فيروسات أخرى. لكن كورونا يبدو كذاك الكائن الخرافي ذي سبعة رؤوس. تتضاءل قوته عند قطع كل رأس. وحين تنقطع الرأس السابعة ينبعث من جديد أكثر شراسة وأشد فتكا. انبعث من القمقم الذي كان متخفيا فيه متدثرا بلبوس الخنوع والإذلال. "تمسكن حتى تمكن". ارتاع في البيئة التي حضنته ليكيف جيناته حسب ما تفتضيه حاجته. وراح بعد ذلك يعيث فيها فسادا. والأدهى انه أوجد لنفسه الوسيلة لينتقل بكل أريحية ويخترق الاجساد ويستوطنها ويؤدي بالتالي إلى وباء.
قلت وباء ! لا انها جائحة.  كنت أعرف هذا الكلمة، لكن لم أكن أعرفها بهذا البعد العالمي والدارمي. عندما كنا صغارا كان شغب الصبيان كثيرا وكانوا في بعض الأحيان يقومون ببعض المناوشات تثير حفيظة الكبار. فكانوا يكيلون لهم أنواع السب ك : أهذاك الحما...الله يمسخك، الله يعطيك الجايحة  ضربك، الخ. كنت أعتقد أن الجايحة تدخل في خانة السب الخفيف الذي يراد به ردعهم وردهم إلى جادة الصواب. كانت هذه الصور تتهادى في ذاكرتي. تذكرني بأن المغرب عرف أوبئة جمة. حصدت كثيرا من الأرواح كما حكت وما زالت تحكي لي أمي. كان المغرب وقتئذ يقع تحث وطأة الاستعمار الفرنسي، وكان  المغاربة يعيشون ظروفا قاسية. لكن لم ينلهم الثبور. ظلوا صامدين أمام ذاك المصاب الجلل.
ان ما تقوم الدولة يعد ضربا من الحكمة و إجراء استباقيا يتغيا تطويق الآفة في مهدها و القبض على البؤر المحتملة لكي لا يسيح في الأرض ولا ينال الناس. كانت تدرك أيما إدراك أنه في غياب مصل معتمد وانطلاقا من تجربة الصين الناجحة فان هاته الوسيلة تظل الأنجع للحد من الانتشار. وكانت تدرك كذلك أن ذاك سيتطلب تضحيات جسام أمام  هذا المد الجارف، وأمام هذه الحرب غير المعلنة. فاطلقت عدة مبادرات منها الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية كما شملتهم ببرامج خاصة تروم التوعية الشاملة لدرء أسباب انتشار العدوى.
كورونا المستجد أو لنقل بالأحرى "قرونا" ذاك المخلوق الخبيث ذو القرون يبعث الرعب بمنظره. يوحي لك وكأنها ليست قرونا بل مضخات دقيقة تمتص من خلايا الرئتين بعض من تراثها الجيني. تستأتر بما يفيدها وتترك باقي خلايا ركاما. ميتة. مما يتيح لها التكاثر والاستفراد بالمساحة. وتعطل بذلك الوظيفة الأساسية للخلايا التي تتمثل في التقاط الأكسجين نحو الدم لتوزيعه على كل الجسم و سحب ثاني أكسيد الكربون خارجا.
انطلاقا من هذا الاستبيان العلمي الدقيق والذي اسال كثيرا من المداد عبر ورقات علمية،  يتبين أن واقع الحال يستوجب تكاثف الجهود والأخذ بالأسباب والانخراط في بوثقه جماعية لمصلحة البلاد والعباد، للمساهمة بأكبر قدر ممكن لطمر هذا الأذى الذي ما فتئ يحصد النفوس بالعشرات في أصقاع أخرى.
إن الكورونا المستجد يخلق الحدث. بل هو الحدث نفسه. أصبح حديث الخاص والعام، حديثا يتناول بشتى الأشكال والصيغ. تندر، تنمر، قصاصات هنا وهناك ذات مصداقية منبنية على معطيات علمية، وأخرى ذات طبيعة تعميمية يبحث من ورائها أصحابها  عن الشهرة أو التضليل حتى أو تحدي الضوابط القانونية والاحترازية التي وضعتها الدولة للتصدي لانتشار الوباء.
فضاءات التواصل الاجتماعي ملأى بالعظات. نصادف أخبارا مفيدة حول هذا الداء،  تزيدنا إفادة وتزودنا من معين المعرفة. هاته الفضاءات ملأى كذلك بحسابات من هب ودب. بعضهم يأتى أمرا منكرا يتكلم فيه بلهجة المتيقن أو يستقبل خبرا طائشا بدون عنوان وفيه كثير من الهذيان. يبطن كثيرا من المغالطات. ينشره على عواهنه لاستخلاص بعض اللايكات ليس إلا أو لإثبات بعض من الذات (يعني). هؤلاء يشكلون خطرا على الأمة. ينتحلون صفات لا قبل لهم بها، ينظَّرون، يسدون "النصح" ولا يستحيون. هؤلاء هم أكبر وباء ابتليت به البلاد. يؤكدون الجهل و الغباء  الذي يَشِعّ من بواُسطتهم والصفاقة التي ترشح من ذواتهم. تسبقهم  نرجسيتهم في تحد سافر للأخلاقيات والسلوكيات.
إن الانسلاخ عن اعتبارات شخصية أو أنانية محضة والتسامي في فهم المسألة الوبائية ببلادنا أضحت ضرورة ملحة، بل واجبا وطنيا لكل غيور على وطنه. يجب أن يكون الدافع الوحيد الذي يحرك ذواتنا. أصبحنا في معركة، الغالب فيها هو من يتحلى بالصبر ويتجشم العناءات التي قد تنجم عن التغيرات التي تفتضيها المرحلة. تقوية الصفوف وحشد العزائم أضحت من أولوياتها.
كل شيء يهون في سبيل الوطن. خلقنا لذلك وجبلنا على التحدي. فنحن أمام واقع جديد يجب أن توحد فيه رؤانا وأن نترك جانبا كل النقاشات  الجانبية إلى حين، مترصدين  ومتأهبين لما قد تنذر به مستجدات كورونا المستجد.
عدا بعض الاستثناءات في بعض المدن اما بشكل فردي أو تحت تأثير بعض الجهلة الذين يتنطعون بانتسابهم للدين الإسلامي الحنيف، والدين منهم براء، يعملون لأجندات تخالف قوانين الدولة والذين يندرجون تحت طائلة المساءلة القانونية، فجل المواطنين منهم أدباء، ومثقفون، وأطباء، وأساتذة جامعيون والجمعيات المدنية والمهنية والأحزاب الوطنية انخرطوا فيما تدعو إليه الدولة المغربية من تراص الصفوف وخلق اللحمة المطلوبة في هكذا وضع وظرف عصيب. كل على حدى نأى بنفسه عن مشاحانات و نقاشات الساحة النقابية منها والسياسية وصب كل الجهود في تأطير المجتمع برمته للتغلب على هذا الوضع الذي هو لا محالة زمن راحل.
ستحط الحرب أوزارها وتعد التقارير وسيتم تقديم استنتاجات كل طرف على حدى. ستشرع الدولة في بلورة نموذج التنمية مع الأخذ لا محالة بعين الاعتبار الدروس والعبر مما حدث وما يجب القيام به للنهوض بالمؤسسات واستحداث آليات أخرى جديدة تروم تنمية موارد بشرية قمينة بمواكبة تطور البلاد.
لله درك يا وطني.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24