الثلاثاء 19 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
زوجات الأدباء - ثابت القوطاري
الساعة 12:52 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

كثيراً ما نردد المقولة التي تقول:" وراء كلَّ رجلٍ عظيم امرأة"، وهذه المقولة يمكن تمثلها في نجاحات الرجل في كلِّ مجالات الحياة، إلاَّ أنَّ الأهم هو النجاح في تكوين أسرة سعيدة، يسودها الحبُّ والتفاهم، والانسجام التام. وإذا ما أخذنا جانباً من حياة الأدباء العائلية، وسلطنا الضوء على نجاحاتهم في مشوارهم الأدبي والثقافي سنجد أن امرأة في ظل تقف إلى جانب زوجها، ووراء انجازاتهم، موفرة له جواً من الطمأنينة والسكينة، وحالة من الاستقرار والهدوء، وبيئة مناسبة للإبداع، ومحفزة عليه، وكثيراً ما يكتب الأدباء الإهداء في أعمالهم المطبوعة إلى زوجاتهم، بعبارات تفيض حباً وامتناناً، وعرفاناً لهنَّ بالفضل، وكشفاً عن مدى صبرهنَّ ومساندتهنَّ لأزواجهنَّ، والبعض يكتب قصيدة في زوجته معترفاً بفيض حبه لها، ودورها في حياته، والبعض الآخر يشركها في عمله الإبداعي لينجبا كتاباً فيه من روحهما الكثير، ولنا أن نذكر بعض النماذج على سبيل الإشارة لا الحصر لنرى إلى أي مدى كان لحضور الزوجة في مشوار زوجها الأدبي من تأثير في إبداعه.
النموذج الأول نزار قباني وبلقيس الراوي، أحبَّ نزار قباني زوجته بلقيس الراوي إلى درجة شعر معها بالخوف وعدم الأمان بعد أن قتلت في 15 ديسمبر1981م، بتفجير السفارة العراقية في بيروت، ويصف نزار قباني هذه اللحظة قائلا:" كنت في مكتبي بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلني من الوريد إلى الوريد ولا أدري كيف نطقت ساعتها: يا ساتر يا رب.. بعدها جاء من ينعي إليَّ الخبر.. السفارة العراقية نسفوها.. قلت بتلقائية بلقيس راحت.. شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي.. أحسست أن بلقيس سوف تحتجب عن الحياة إلى الابد، وتتركني في بيروت ومن حولي بقاياه، كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي". وقد نظم نزار قباني قصيدة رثاء تعد من أطول ما كتب لها، وهي قصيدة بلقيس، التي يقول فيها:
شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة؟
بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
وكلُّ هذا يحيلنا إلى أي مدى كان تأثير بلقيس الراوي في حياة نزار قباني، وكيف أثّر مقتلها في نتاجه وفي حياته بشكل عام. النموذج الثاني سليمان العيسى، وملكة أبيض، والتي شكلت معه ثنائياً رائعاً في الرقي والإبداع، إذ لم يكن لمشوار سليمان العيسى الثقافي والإبداعي ليكتمل دون رفيقة دربه الدكتورة ملكة بيضاء التي ترجمت أعماله إلى الفرنسية، وقد شكلا ثنائياً رائعاً في كتابهما (رحلة كفاح) الذي قال سليمان العيسى في مقدمته:" اخترناه بملء إرادتنا، وواجهنا فيه قدرنا بحلوه ومره"، ولنا في أدونيس وخالدة سعيد نموذجاً ثالثاً "خالدة سعيد، الحصيفة، المثقفة، الأقدر على تحليل سيكولوجيا العلاقة الملتبسة بين المبدع ونصّه، وبين المبدع وعصره، والمؤرّخة الأدبية الشغوفة بالمسرح، والقارئة الاستثنائية للقصيدة، التي لم تستطع شهرة زوجها، الشاعر الكبير أدونيس، أن تحجب حضورها، هي المثقفة الطليعية التي شهدت أهم تحولات الثقافة العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وشاركت بفاعلية كبيرة في كل نقاشات مجلة «شعر»، إلى جانب يوسف الخال وأنسي الحاج وخليل حاوي وشوقي أبي شقرا وعصام محفوظ وخليل حاوي وسواهم، ويصف أدونيس علاقته بها قائلاً: لا يكتمل الحبُّ حتى يصبح الزوجان صديقين، وإذا لم تستطع المرأة أن تقول لزوجها ما تقوله لصديقتها، ففي علاقتهما ما يشوبها. وأدونيس يرى في خالدة سعيد حبيبة وزوجة وصديقة، وما أن تصدر خالدة سعيد كتاباً ما حتى يسارع أدونيس بالقول: ما كتبته خالدة سعيد لا مثيل له مطلقاً...وقد كتبت خالدة سعيد في هذا الموضوع كتاباً يُعد من أهم ما كتب في موضوعه ولا نظير له مطلقاً.
ولا تخلو الساحة الثقافية اليمنية من هذا النموذج الجميل، ويكفي أن أستحضر نموذجاً قريباً مني؛ الصديق القاص حامد الفقيه وزوجته القاصة المهندسة غدير الرعيني، والذي استضفناهما في فعالية بنادي القصة (إل مقه/صنعاء) ذات أربعاء، ظهرا إلى جوار بعضهما وكلٌّ منهما سعيد بالآخر حدّ السماء، يُشيد كلٌّ منهما بدور الآخر في حياته ومشواره الأدبي، مثنياً كلٌّ منهما على نتاجات الآخر الأدبية، جمعتهم الكلمة والحرف والأدب، ولربما نحن بحاجة إلى الاستفاضة في ذكر هذه التجربة، إلاًّ أن المساحة هنا لا تكفي، وحسبي هذه الإشارات الجميلة، لنرى جمالاً تصنعه المرأة إلى جوار زوجها، من خلال ثنائية هي في الأصل واحدة، لا يمكن فصلها.


صنعاء
9/يوليو/2020م.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24