الخميس 09 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
ملح الارض وطينها ... - عبدالرحمن بجاش
الساعة 19:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


أحرص بين الحين والآخر على زيارة أمثاله ....
صالح من قريتي التي انبتت رجالا وكرامة ...
صالح وهوصالح بالفعل كان والده العم عبد الرحمن يأخذني صغيرا معه ، ليركبني على " ساق العدة " التي يجرها " سحب " وثوران ...كنت أملك الدنيا ووالد صالح يدللني صغيرا هكذا " درح " ...لذلك كلما أسمع جدتي تقول : عبد الرحمن عبد القادر " شبكرباكريبتل الأرض " لاتسعني الدنيا من الفرح " بكره شركب ياعمة فوق العدة" ...ومن البكورمع أول طيرنفتح باب الكون ...
تتوزع أشعة الشمس بين الاحوال وتتشكل ألوانا وصوربين المخالف والأسوام والشواجب ...ترتفع دخاخين المطابخ ، ومن لون الدخان تدري ماذا سيفطرون في كل بيت ...يهل وجهه كطين الأرض، لاتفارقه الضحكة مطلقا : " أين درح ؟ " ياالله كم لوقع صوته في نفسي طربا ودندنة أجمل من دندنة عود زرياب ...
اقفزسريعا بعد الثورذهب بعد عمنا عبدالرحمن عبد القادر بتول القرية أكرم مهنة يؤديها ، وهل هناك أكرم ممن يشق الطين ويزرعها سنابل محاجين دخن وذرة ...
يحمل " العدة" وبعده من يحمل " المضمد " وأظل وراءه إلى " حن الغداء " عندما تأتي عمتي بالمزغول وما تيسرمن " الأعواس " الذرة " وإذا توفرت عندها قليلا من حلاوة فيكون يومه ويومك خيرمن زمن ....
رحم الله العم عبد الرحمن ، فمنذ ذلك اليوم الذي تركنا ورحل وقد ابيض شعري ماتت الأرض وتيتمت القرية ...
صالح ثالث ثلاثة هم أولاده ،وصالح كإسمه ، خلوقا ، دمثا ، خجولا ، طيب كالأرض التي كان يشق جوفها والده ...
قبل قليل ذهبت إلى الورشة حيث يعمل بلا كلل ولا ملل ...من أجل اللقمة الكريمة المشبعة بعزة النفس...
أول مااظهرعليه ،ارى في وجهه كل تاريخ البداية ، بيوت القرية ، اشجارها ، ابقارها ، نساءها ، عمرنا ، شقاوتنا ، آثارنا التي تركناها وذهبنا ، اشواقنا، واشجاننا ....
في وجهه يمرأمامي العم عبد الواسع ، وهزاع ، ودرهم ،وعقلان ، وحمود ، وعبد الولي ،وعبد القوي والفقيه علي نعمان ...والفقيه محمد طربوش أجمل النفوس التي عمرت قريتنا التي كانت طيبة وكرامة ....
من طين الأرض جاء صالح ، يحرث الحياة بحثا عن عيش نظيف ...ترى التعب يرتسم على وجهه خطوطا من أرهاق ، لكن ابتسامته لم تفارقه برغم كل العناء ...
طين الأرض هوصالح وامثاله ...ومنه وامثاله استمد قيم الحياة وجمالها ...
جلست إليه هذا الصباح بين السيارات المسمكرة ورائحة الرنج ، وعلى الأرض افترشت معه وبقية العمال ذلك الفراش الذي عليه أثرعرقهم وعزة أنفسهم ...
بالنسبة لي وقد عدت افرغ حبرقلمي هنا ،هذا صباح برغم الغبارالذي يحتل المدينة اجمل الصباحات....
شكرا صالح عبدالرحمن عبد القادر عبدان ، شكرا انك زودتني بطاقة حب لن تنضب ، طالما أنت وامثالك تعملون وتثابرون ، وترسلون إلى أولادكم ناتج تعبكم ثمن اللقمة ، رافعين رؤوسكم كرامة وعزة ....
ملح الأرض انتم وطينها ...وسحقا لمن يأكلون حق الطيبين العاملين ...تربة الأرض التي تختلط بعرقكم ....

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24