الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
العمق الحضاري في " ليلة إفريقية" للروائي مصطفى لغتيري - الحسين أيت بها
الساعة 11:05 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



 

  تعتبر رواية " ليلية إفريقية" الصادرة عن دار أفريقيا الشرق للكاتب المغربي مصطفى لغتيري، من التجارب المميزة للكاتب نفسه، في رحلته الطويلة مع الكتابة، بداية بمؤلفاته في جنس القصة القصيرة، وانتهاء ببداياته الفعلية في كتابة الروايات الجادة التي عرفت نجاحا وإقبالا كبيرا، والتي تحمل طابعا إنسانيا وروحيا في طياتها ومضامينها وقيمها النبيلة. تلك الأعمال الجليلة التي تخدم معاني التسامح والترابط والرصيد القيمي من المشترك الإنساني والمعرفي، ويمكن الإشارة إلى روايتنا هاته التي شكلت لبنة  ثانية لخدمة القضايا الإنسانية النبيلة والعادلة. 
وتحمل رواية " ليلة افريقية" في مضامينها بعدا إنسانيا عميقا لصلتنا بإفريقيا رمز النضال والصمود والتهميش، وتعيد الاعتبار للإنسان الإفريقي الذي يعاني من نظرات الدونية والاحتقار والتمييز العنصري.
وقد ظهر ذلك جليا من خلال اهتمام السارد بالفتاة الكاميرونية التي التقاها في مقطورة القطار قادمة من مدينة فاس لتمثيل مهرجان الفولكلور الإفريقي لدولة الكاميرون، ويمضي السارد في وصف الفتاة الإفريقية الجميلة بنوع من الانبهار والدهشة وإثارة انتباه القارئ لهذا الإنسان الجميل في كينونته، مشيرا إلى ما تعرضت له إفريقيا من استباحة واستنزاف واستغلال للثروات من طرف القوى الاستعمارية. 
يبدأ الروائي عمله بتناول شخصية البطل السارد وهو يعيش حالة نفسية من الملل والتثاؤب وفراغ كبير خلفه انقطاع جمهوره عنه بعد نجاح روايته التاريخية الأولى عن المهدي المنتظر، ليقرر السفر خارج مدينته، لاستعادة أجواء الكتابة، وللخروج من حالة الوحدة والاكتئاب والعزلة التي يعاني منها. وأثناء سفره  عبر القطار يلتقي بالفتاة الكاميرونية، التي ستدعوه إلى مرافقتها لحضور الفولكلور الإفريقي الشعبي لدولتها، وبعد حديث طويل بينهما،  توج في نهاية المطاف باقتراح الفتاة عليه أن يكتبا معا رواية مشتركة عن معاناة الإنسان الإفريقي، ليعتبر ذلك الحدث حافزا بالنسبة للبطل السارد. يحرك فيه دوافع الكتابة الروائية من جديد.
يكتب الروائي المغربي مصطفى لغتيري الرواية بأسلوب سهل وبسيط، يتضمن كافة التقنيات السردية التي تمتاز بها القصة، كالاسترجاع والتكثيف والاختزال والترتيب التعاقبي والزمني للأحداث، وكافة أشكال السرد المحورية، كالسرد والوصف والحوار، وقد ظهر ذلك جليا في الرواية، حيث تظهر مواقف الشخصيات من خلال الحوارات المختزلة، والنصوص السردية كقوله مثلا: 
" أنا كذلك لم تكن لدي صورة واضحة عن الفولكلور الإفريقي، لقد انطبع الآن في ذهني بكثير من الألق، إفريقيا هاته ما أروعها !... وبلهجة محتفية تابعت: 
شكرا إفريقيا..." ص: 65. 
وقد أفلح الروائي في نقل أحداث الرواية من كلام عادي تقريري مباشر، إلى لغة سردية آسرة، تنم عن حرفية عالية، وتقوم الرواية على بناء معماري سردي متين، تم في التركيز على نقل الصفات المميزة لعلاقة المغاربة بالأفارقة، وما يميز هذه العلاقات الإنسانية من عمق حضاري نبيل وتعايش مشترك. مع بساطة كبيرة في نقل الأشياء والأحاسيس والأفكار. يقول على لسان السارد المعجب بالرواية وطريقة السرد البسيطة: 
" تابعت قراءة الرواية بكثير من الاهتمام... منحتني قراءتها متعة لم أتوقعها، فبقدر ما كانت الحبكة بسيطة، فإن تركيز الكاتبة على الأحاسيس، والتناقضات التي تعتمل داخل الشخصية، واهتمامها بالتفاصيل الصغيرة والدقيقة، منح الرواية مسحة من الجمال، أهلها لتكون شفافة وذات حساسية عاليةن تستجيب بشكل كبير لانتظارات القارئ الباحث عن دفقات عاطفية تدغدغ وجدانه، وتقدم له بعض ظواهر الواقع من وجهة نظر فنية" ص: 137. 
ويطغى البعد التخييلي في بعض فصول الرواية، التي بدأت تنتقل من الرواية الواقعية إلى خلق عوالم تخييلية حالمة مرتبطة بموضوع الانبهار بالحياة البسيطة في أدغال افريقيا، إن هذا البعد التخييلي الواقعي سيقوده تدريجيا إلى تقديم صورة إيجابية ولقطات جميلة عن الحياة في افريقيا، حياة القبيلة والعشيرة، يتم فيها ممارسة طقوس استعراضية معينة، وكأنه يدعونا إلى قراءة هذه الصورة الفنية الجميلة في نقل هذه الطقوس كأن فنانا عبقريا قام برسمها أو نحتها على الورق، هذه الصورة الجميلة في وصف منظر الثور الذي تم بطحه أرضا، والناس متحلقين من حوله، يعيدنا للطبيعة الإفريقية، حيث الإنسان البدائي، والدماء تسيل منه، والناس يشربون الدماء، مما أثار دهشة السارد في مشهد مثير للرقص والاحتفال والغناء والفرح والبهجة،  يقول:
" رأيت رجالا يتقدمون نحونا، وأمامهم ثور أسود من تلك الثيران التي تجوب البراري زرافات متحررة من أي قيد، فتبدع عدسات المصورين في نقلها.
" في طقوس استعراضية تم بطح الثور أرضا، مرر أحد الرجال على رقبته شفرة حادة، فانبثق الدم أحمر قانيا ارتعبت من جديد ثم سرعان ما استرجعت هدوئي... تقدمت امرأة نحو الثور، ملأت وعاء ببعض الدماء، ثم عمدت إلى قدر ممتلئ لبنا، فأضافت بعض الدم إليه. بتوأدة وهدوء، تقدمت المرأة نحوي حاملة قدرها.. مدته لي، مشيرة إلي بضرورة أن أشرب جرعات من هذا الخليط العجيب... شعرت ببعض القرف.. التفت نحو كريستينا، فأشارت إلي بحركة من رأسها بضرورة فعل ذلك... أخذت القدر بين يدي، وارتشفت جرعة منه، كان مذاقه غريبا، لكنه ليس بالسوء الذي توقعته.. تناولت المرأة القدر مني، ثم توجهت نحو أمل، فلم تتردد في ارتشاف جرعات منه.
حينذاك ارتفعت الإيقاعات الإفريقية في الأجواء، محتفية بنا... انخرطت الفتيات في رقصات بهيجة... يؤدينها بحركات متوترة وبديعة، تنسجم إلى حد بعيد م النغمات الموسيقية التي أبدع العازفون في أدائها.."ص: 93. 
ـ ليلة إفريقية، رواية، مصطفى لغتيري، دار أفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 2010ـ الدار البيضاء ـ المغرب ـ  الطبعة الثانية منقحة، غاليري الأدب،2021 مطبعة ووراقة فاس، المغرب.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24